أهي خيانة أم هزيمة أم وعي أم ضرورة… ما هي طبيعة التغيرات التي تجري على الأرض؟

الهدن التي يتم تطبيقها في بعض بلدات ريف دمشق، وربما محافظات أخرى قريباً، لا تعني نصراً للنظام، ولا للثورة أيضاً. ولكنها نتيجة حتمية لعدّة عوامل، أهمها تعب جميع الأطراف، ودليل أن جميع القوى تقرّ بلغة الواقع أنها غير قادرة على الحسم العسكري. النظام بهذه الهدن يقرّ بكل وضوح أنه غير قادر على حسمه العسكري الموعود الذي استخدم أحقر الأساليب وأبشع الأسلحة لأجله، وأنه رغم كل اجرامه وقبحه، يقر ويعترف ويجثو على ركبتيه ويدخل في اتفاقيات مع من نعتهم بالارهابيين والمجرمين والقتلة والمارقين والمرتزقة والعصابات المسلحة والجراثيم والعراعير والوهابيين والمتشددين والمنغلقين والعملاء وأتباع الخارج.
وعلى الطرف الآخر، كثيراً ما استخدمت عبارات مثل “الناس على الأرض هيك بدها” لمهاجمة أي رأي يناقش الوسائل التي يتم استخدامها حالياً، أوالقناعات التي نبني عليها أفعالنا وخططنا. “الناس على الأرض” لن تقبل بهذا، الناس على الأرض ستقاتل حتى آخر نقطة دم، الناس على الأرض لن ترضى بالتفاوض، الناس على الأرض ستتابع العمل العسكري ولا تهتم للعمل السياسي… الخ. ولكن يبدو أن الناس على الأرض لهم احتياجاتهم أيضاً، ووجعهم وجوعهم وتعبهم وأحلامهم، لهم أيضاً ما يدفعهم لقبول ما لم يكن من الوارد أن يقبلوه قبل عام. الناس على الأرض انتقلوا لمرحلة مختلفة كليّاً بينما كان الكثير منشغلين بمعارك كلامية تملؤها المزاودة والتهجم والعزف على اوتار العاطفة والغضب والغرائز.
الطرف الأخير، هم المدنيون، ممّن وجدوا في هذه الاتفاقيات الآنية متنفّساً لهم. كلا، لم يُهزموا، سيتحركون من جديد، وبطرق أخرى وبوسائل ثانية، فالثورة بأهدافها الأولى تبحث عن مجرى، وستجده، وهذا عملنا جميعاً. اذا تشكّل الوعي لدى شرائح المجتمع بضرورة التغيير، فالتغيير سيحصل، واذا لم يتشكل الوعي، فلن تستطيع قوى الأرض احرازه. والسؤال هنا ماذا فعلنا لمثل هذه المرحلة؟ هل منعتنا خلافاتنا من أن نخطّط لمثل هذا الاحتمال؟ احدى أهم القضايا مثلاً هي توثيق الجرائم، توثيق انتهاكات حقوق الإنسان لمحاسبة المجرمين والقتلة. واليوم رزان زيتونة، أحد أهم العاملين في مجال حقوق الإنسان في سوريا قبل وبعد الثورة، مختفية. في سجون النظام؟ اعتقلت على أحد حواجز النظام؟ لا، اختطفت من بين بنادق كتائب معارضة مسلّحة، ومن لم يقم بخطفها، تساهل وتعاون أو لم يكترث، وكفى بذلك جرماً!! البعض حينها لم يرض أن يطالب برزان، وعتب على من طالب بها فهي “علمانية”! واليوم، هل بدأت تشعر أن الانقسام والتعنّت والانغلاق لن يقودنا لحيث نريد؟ هل بدأت تشعر ضرورة وجود مثل رزان زيتونة كي لا تضيع حقوق الناس مستقبلاً عندما تسنح الفرصة لمحاكمة المجرمين سواءً بمحاكم سورية أو دولية؟ هل شعرت أن الظروف قد تتغير، وأن النظام قد يحاول اعادة انتاج نفسه بطرق جديدة ويجب أن لا نتهاون مع نشوء أي فرعون جديد هنا أو هناك؟ من يتهاون بخطف من يوثق انتهاكات حقوق الإنسان يعلم أن هناك انتهاكات يقوم بها ولا يريد أن توثّق..
اذا استطعنا أن نستفيد ممّا جرى ويجري كي نتوقف عن استخدام عبارات مثل “الناس على الأرض تريد.. أو لا تريد” في محاولة قمع واسكات من يخالفنا الرأي.. ربما حينها نكون قد قطعنا شوطاً كافياً! بالإضافة لأن نذكر أن المساحة الرمادية تكبر وتضم المزيد من السوريين، وأن التفكير بأسلوب شيطنة الآخر (من المكونات المجتمعية) سيصل بنا لجدران مسدودة لأنه عملياً تبنّي لعقلية النظام. ومن الضروري الإشارة لأن العمل المدني والسلمي، ضروري جداً للاستمرار في كافة الظروف، ومختلف المراحل. بمعنى آخر، أي تطوّر وتحرّك يغير طبيعة الهوامش التي نستطيع أن نعمل من خلالها. قد تحمل التبدلات الأخيرة هوامش أوسع اذا ما استعنّا بوسائل مختلفة، ولكن قلّة التخطيط والدراسة والوعي تجعل ادراكها صعباً وربما مستحيلاً. لدي قناعة أن النظام لا يمكن أن يصمد أمام أي عملية سياسية أو اجتماعية مهما كانت ضعيفة ومخلخلة. ولكننا كثيراً ما نضيع الفرص بالغرق في الخلافات والتحزبات.
أما عن سياسة التجويع.. فقد تُسكت جائعاً مقابل رغيف خبز، ولكنّه بعد لقيمات، مجرّد لقيمات، سينهض ليلتهمك.. والنظام بسياسة التجويع لن يطيل عمره.. سوى مدّة لقيمات..
Like this:
Like Loading...
Related
About Ibrahim al-Assil إبـراهـيـم الأصـيـل
Ibrahim al-Assil is a Syrian political analyst and civil society activist who serves as a resident fellow at the Middle East Institute. He is also a director at the Orient Research Center-DC Office. His work focuses on the Syrian conflict with an emphasis on different aspects of security, civil society, political Islam, and political economy.
Al-Assil is the president and a co-founder of the Syrian Nonviolence Movement, an NGO formed in 2011 to promote peaceful struggle and civil resistance as a way to achieve social, cultural, and political change in Syrian government and
View all posts by Ibrahim al-Assil إبـراهـيـم الأصـيـل
February 18th, 2014 at 10:12 pm
يا صديقي لم تكن منصفا … وصفت النظام بما فيه … ولم تصف ” الثوار – المسلحين – المعارضين – الخ اسمهم ما شئت ” بما فيهم ….
اتفق معك ان الناس قد تعبت … لكن ماذا بعد ؟؟؟ عن اي ثورة تتحدث ؟؟؟ صديقي اذا قمنا بحذف الناس المهتمين بالشأن المدني والعاملين فيه – العلمانين – اللادينين – الخ .. ماذا يبقى من نسبة اشخاص مازالوا يؤمنون بفكر الثورة الاساسي … صديقي الثورة سرقت ومن سرقها هم ابناؤها … فلا تتامل كثيرا بثورة كما تراها في الاحلام … الثورة ” سقطت – انتهت – فشلت – الخ ” منذ ان اخطأت اول مرة وبقيت الناس تحاول تغطية خطأها …
الحديث يطول يا صديقي ولا مجال للوحة مفاتيح ان تقوم به :)
February 18th, 2014 at 11:13 pm
اهلا صديقي.. بتمنى تكون بخير.. :)
الثورة هي شرارة تغيير. ليست بالضرورة مثالية. ولكن الثورة لا شك -بغض النظر عن بقية العوامل- خلقت مساحة للتغيير يمكن استثمارها. وهناك حاجة للتغير أعتقد أننا متفقين عليها. أنا أعوّل على هذه المساحة وهذه الحاجة.. وليس لدينا خيار سوى أن نتعلّق بالأمل
February 18th, 2014 at 11:20 pm
صديقي ابراهيم … بكل تأكيد انو الامل هو الشي الاهم يللي بيخلي الناس تتعلق بالحياة … لكن المغالاة بعيش الامل بيخلينا اشخاص مريضين نفسيا … لازم نخلق نوع من التوازن بين الواقع والامل والخيال والمثالية … الثورة ليست مثالية نعم ’ لكن لم تعد الحضن الجامع لكل من لديه امل بالتغيير … الناس فقدت ايمنها بمفهوم الثورة ” ولا اقصد ما يحصل في سوريا تحديدا ” لكن قس على ذلك كل العالم … الناس بدأت تدرك لعبة السياسة جيدا … وبدأت تدرك ان المحرك الاساسي لمعظم مانراه من اخبار و احداث هو صنيعة نظام ” سياسة – اقتصاد ” ان لم تكن احد هذين الطرفين فأنت لست سوى كرة قدم يتقاذفونها فيما بينهم … صديقي الثورة ثورة على النفس ثورة على العادات المجتمعية البالية … ثورة على كل ما يقيد تفكيرنا … الثورة الاولى يجب ان تكون هي ثورة على الانسان ذاته … متى قمنا بها ونجحت نستطيع حينها ان نقوم بالثورة التي نريد وعلى ما نريد … مودتي :)
April 14th, 2014 at 8:15 pm
لا اله الا الله محمد رسول الله
اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
February 19th, 2014 at 6:38 pm
[…] Ibrahim Al-Assil إبـراهـيـم الأصـيـل أهي خيانة أم هزيمة أم وعي أم ضرورة… ما هي طبيعة […]
March 21st, 2014 at 7:32 pm
[…] أما عن سياسة التجويع.. فقد تُسكت جائعاً مقابل رغيف خبز، ولكنّه بعد لقيمات، مجرّد لقيمات، سينهض ليلتهمك.. والنظام بسياسة التجويع لن يطيل عمره.. سوى مدّة لقيمات.. إبـراهـيـم الأصـيـل المصدر […]
March 24th, 2014 at 2:36 pm
المدونة أكثر من رائعة ، وأتمنى المزيد من الموضوعات الشيقة