عُرفت بلافتتها الشهيرة “أوقفوا القتل نريد أن نبني وطنا لكل السّوريّين” واشتهرت بـ “الفتاة ذات الرداء الأحمر”… كتبت منذ أسبوع تقريبا على حسابها على فيس بوك “يا الله بدنا نغيرك يا الله :)” -كما وردت-، وما نكتبه اليوم على صفحاتنا في الشبكات الاجتماعية ولا نلقي له بالاً، قد يغدو شرارة لنار كبيرة تؤذي ولا تنفع. كبُرت القصّة بعد أن نُشرت في مدوّنة مشهورة وانتشرت بشكل رهيب لينقسم الناس بين مخالف ومستنكر ومدافع ومهاجم، البعض يوضّح بهدوء وجهة نظره وأسبابها، والبعض يكيل أبشع الشتائم لمخالفه، والبعض تجاوز كل الحدود ليصل للمطالبة بهدر الدّم
في ذلك اليوم تحديدا الذي نشرت فيه القصة، سقط أكثر من 250 شهيد سوري. لست ممّن يطلبون التوقّف عن النقاش بالأفكار بحجّة الثورة، لأن الثورة تشمل أفكارنا وثقافتنا، ولكن الموضوع أخذ أكبر من حجمه بكثير في الخصومة والتهديدات المتبادلة بين الأطراف، ولم يعد للفائدة بل أدّى لانقسام كبير بين صفوف الثوّار، لست مع ايقاف النقاش، لكنّي مع ايقاف الانقسامات واتهام الطرف الآخر دوما بنظرية “المؤامرة”. فبعض العلمانيين يتّهم المتديّنين بمحاولة أسلمة الثّورة، وبعض المتديّنين يتّهم العلمانيين بمحاولة نشر الالحاد والأفكار المدسوسة، هكذا بتعميم دون تفريق حتّى بين كلمة “علماني” وكلمة “ملحد” أو أي تصنيف آخر، فالألوان عند التعميم تتحوّل لأبيض وأسود فقط. من المُستحسن أن نخرج من ردود الأفعال لنلخّص ما يمكن أن نستفيد منه، وأسعى لأن ألخّص وأوضّح وجهة نظري في النقط التالية:
1- من المرفوض لدى معظم السّوريّبن التطاول على الذات الإلاهية، وهذا ليس مقصورا على مذهب أو ديانة، فهذا التطاول يُزعج المسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء. اثارة أي موضوع حسّاس في مثل هذا الوقت من الاحتقان برأيي غير مسؤول، وحتّى في أوقات الهدوء يجب أن يكون بوعي كبير وبعيد عن أي استفزاز أو استخفاف. نحن نرفض بكل حساسية أي جملة من الممكن أن تثير غضب أتباع مذهب ما أو فرقة ما، فكيف بجملة تسيء لأتباع الديانات السماوية جميعا!
2- لافتة “أوقفوا القتل نريد أن نبني وطنا لكلّ السّوريّن” كان لها أثر ايجابي كبير جدا على الشّارع السّوري الثائر، امتدّ ذلك لوسائل الاعلام العالمية لتساهم في بناء الانطباع الذي نرجو عن الثورة السّورية ونسعى لتكريسه. الشجاعة التي تحلّت ذات الرّداء الأحمر بها تستحقّ التقدير والاحترام دوماً. ويقول الله تعالى {ولا تبخسوا النّاس أشياءهم} (سورة هود-85)، ويقول {ولا تزرُ وازرةٌ وزر أخرى} (سورة الاسراء-15)، فما كتبت بمنشورها لا دخل له بحملتها “أوقفوا القتل”، هذا ما يقوله العقل والمنطق والانصاف. فهي فعلت ما عجز عنه الكثير ممّن لا يُحسنون إلا الشّتم.
3- التعميم بهذه الحالات دائما يُخرج المشكلة من سياقها ويطلقها لتتضخم وتسيطر علينا بدل أن نسيطر عليها. ما يقوله أحدٌ منّا يعبّر عنه، لا عن كلّ من شاركه بفكرة أو عمل ما.
4- هناك من يهوى خلط الأوراق ليثبت فكرته، هناك من بدأ بتوجيه الشتائم لكل من آمن أو يؤمن بالعمل السّلمي والمدني والأهلي، لأنّ ذات الرداء الأحمر كتبت ما كتبت، فمن باب التعميم وخلط الأوراق استخلصوا المعادلة التالية: ذات الرداء الأحمر تؤمن بالعمل المدني + ذات الرداء الأحمر كتبت ما كتبت = العمل المدني تافه. على هذا المبدأ أتمنّى منهم أن يتبنّوا المعادلة التالية أيضا: جورج بوش أمريكي ويحارب الاسلام+ الشبكات الاجتماعية تملكها شركات أمريكية = لن ندخل الشبكات الاجتماعية بعد اليوم!
5- الثورة ليست ثورة ضدّ الدّين والتّديّن كما يسعى البعض لأن تبدو، وليست ثورة دين كما يسعى البعض الآخر لأن تبدو. هي ثورة شعبية قامت ببساطة لرفع الظلم والاضطهاد، وسعى من خرجوا للعدل والحريّة والمساواة. نتّفق جميعا على أنّ الثورة يجب أن توفّر لنا مكانا ندعو فيه لأفكارنا بأمان، سواء أكانت أفكارنا هي الدعوة لاحياء الخلافة الاسلامية أو اطلاق اللحى أو حتّى الالحاد. شريطة أن تكون دعواتنا جميعا باحترام دون استخفاف بأحد، خصوصا ما يمس المعتقدات والمقدّسات. يقول قائل: “ان قام من يدعو للالحاد مثلاً ندعه؟!!” ولم لا؟! يقول الله تعالى {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} (سورة الكهف- 29) هذه ليست مهمّة أحد من البشر أن يُحاسب من يريد أن يؤمن أو من يريد أن يكفر. وما دمت مؤمنا فعليك أن تذكر أنّه {فأمّا الزّبدُ فيذهب جُفاءً وأمّا ما ينفع النّاس فيمكثُ في الأرض} (سورة الرّعد- 17) وتثق بهذه القاعدة، ما دام لديك الحريّة أن تدعو للإيمان دون تضييق أو ترهيب، ولديه الحريّة أن يدعو لدعوته دون تضييق أو ترهيب، فما ينفع النّاس سيمكث في الأرض، هذا وعد الله عزّ وجلّ. من هددّ بالقتل هو من يجب أن نحاربه جميعا، لأن التضييق على أي أحد يعني بداية الاستبداد، يبدأ بالخطوط العريضة ثمّ يدخل في التفاصيل رويدا رويدا حتّى يحصل ما حصل بين المأمون وابن حنبل. ما دمت تدعو للحريّة فتأكد أنّك لن تسمع دوما ما يسرّك ويوافقك، ولن تستطيع بعد اليوم أن تلغي أيّا كان بالتهديد، الفكرة تقابلها فكرة، والكلام يقابله كلام، فادعو إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة والسّاحة مفتوحة أمامك. كم تنقصنا طريقة تفكير الرّافعي: “لو تحوّل النّاس جميعا كنّاسين يثيرون غبار الأرض على السماء لما كان مرجع الغبار إلا عليهم وبقيت السماء ضاحكة صافيه تتلألأ”.
6- ما حصل من خلط هو انذار عن خطورة صناعة الرموز بشكل عاطفي في مجتمعنا وفي ثورتنا. ما أن يفعل شخص ما فعلاً يوافق عاطفتنا حتّى نقدّسه ونكمّل نقصه ونغمض أعيننا عن عيوبه ونهاجم بشراسة كلّ من هاجمه. وما أن يخرج من عاطفتنا لفعل يفعله أو قول يقوله حتّى نحطّمه ونرفضه جملةً وتفصيلاً. حريٌّ بنا أن نفصل بين المواقف ونفرّق بين الأفعال، وألّا نأخذ الشخص بكل أفكاره وأفعاله أو نرفضه بكلّ أفكاره وافعاله.
7- من الأَولى بصفحات الثورة التي كثيرا ما تقع في فخ شخصنة الصفحة وتعمل كـ “باباراتزي” تتصيّد قصص النّاشطين أو فضائحهم لتنشرها أن تنشر ما فيه فائدة الثورة والثوّار والابتعاد عن نشر المشاكل، حريٌّ بكل من كان مسؤولا عن صفحة مهما قلّ عدد متابعيها أن يعطي المسؤولية حقّ قدرها وأن يعمل لصالح الثّورة بتجرّد وبعيدا عن الأخذ والرّد.
ختاماً، لنوقف الاقصاء جميعا، ليدعو كلٌّ منّا لأفكاره دون أن يستخفّ بالآخرين أو بمعتقداتهم، ولنعلم أنّ الطّريق الوحيد لنشر فكرتك هو عرضها على النّاس بالمنطق وباحترام، لا بالتهديد والوعيد، ولا بالاستهزاء والاستخفاف، لنوقف الاقصاء ولنبني وطناً لكلّ السّوريّين.
(ملاحظة: هذه المقالة لا تدافع عن أي فكرة أو معتقد أو طرف، وإنّما تناقش موضوع اختلافنا وتعايشنا، فأرجو أن تنحصر التعليقات بهذه الفكرة وبما نقترح من حلول لمشاكلنا.. لنستفيد من بعضنا جميعا.)
August 8th, 2012 at 5:20 pm
أشاركك الرأي فيما أوردت في تدوينك إبراهيم، لكن ما حدث ينبه إلى أننا يجب أن نقيم بشكل أفضل وأدق، فلا نقدس الشخصيات والأسماء باستمرار بسبب فعل.. فالتقديس على فعل يقلبه فعل آخر تكفير
August 8th, 2012 at 5:38 pm
صحيح، تقديس الأشخاص أصلا لم يعد على البشرية إلا بالتعاسة. احترام مواقفهم وتضحياتهم وتقديرها وذكر أنّهم بشر يخطؤون ويصيبون هو الأسلم
August 8th, 2012 at 8:37 pm
ألفَ اللهُ بينكم وجمعَ على الحقِ كلمتكم وأظهركم على عدوكم ووقاكم شر الاختلاف والفرقة يارب .
August 9th, 2012 at 7:16 am
آمين يارب، الله يسمع منّك يا إيمان
August 8th, 2012 at 9:22 pm
أنا أستغرب حقا من أن بفهم البعض من معنى الحرية بأن بامكانه أن يفعل ما يشاء دون ضوابط حيث أنه عندها يكون الأجدر أن نسميها حرية حيوانية
فالحيوان الحر يفعل ما يشاء من دون ضوابط فهو لا يملك العقل
أما الانسان الحر فهو إنسان بفعل ما يشاء ولكن ضمن الضوابط التي لا تسيء إلى الآخرين
فحرية كل إنسان لها حدود
وبهذا لا تستطيع أن تستسيغ جواب أحد المجرمين عندما سؤل لماذا فعلت جريمتك
(أنا حر ولا علقة لك بي)
August 9th, 2012 at 7:21 am
الحريّة مقرونة دوما بالمسؤولية، فاذا لم نكن مسؤولين في تصرّفاتنا وأفعالنا وأقوالنا لم تكن حريّتنا كاملة
August 9th, 2012 at 5:34 am
صحيح يا ابراهيم حكيك بعطيك العافية…
التنسيقية من زمان متطرفة وبتدخل بتفاصيل مالها علاقة بالأخبار ومنهن كان تغيير العلم، وأنا شخصياً ما عملتلها لايك لفترة قريبة ، وفقط لأعرف شو عم يصير بالميدان..
للأسف هنن بدهن يوقعوا الحراك السلمي بفخ إنو ينزعو عنو صفة الدين، ريما حطت الكل بموقف سيء..
وكان الأولى إنها تكون أعقل من هيك..
هلأ شي راح
ولازم نحاول نوقف بوش عقلية التكفير اللي طالعين فيها ع الطالعة والنازلة، غذا كان بيهمنا الدين فعلاً لازم تهمنا سمعتو بالأول…
August 9th, 2012 at 7:26 am
الله يعافيكي عهد، شكرا..
متل ما بتعرفي معظم الصفحات وخصوصا الكبيرة منها يكتب فيها أكثر من Admin، وكثيرا ما تختلف الآراء باختلاف الشخص الذي يكتب. أذكر من فترة أنهم قاموا بموقف شجاع جدا عندما اعتذروا عن شيء كتبوه. الاقصاء مرفوض من أي طرف، والاقتتال دوما يبدأ باقصاء، ثمّ يتطوّر ليصل لمرحلة السعي لالغاء الطرف الآخر كليّا ولو كان بقتله.,. حسبي الله ونعم الوكيل
August 9th, 2012 at 7:50 am
أعتقد أن المشكلة ابتدأت بسبب الشخص “الناضج والواعي” الذي سلط الضوء على ماكتبته ريما وخاصة في مثل هذا الظرف، ففي الوقت الذي نشهد فيه مئات الشهداء يومياً وألاف المهجرين والنازحين والجائعين والمدن تحت القصف وهو لديه الوقت ليبحث ويفتش عن كلمة وردت لصبية لا أحد يعرف بالضبط ماذا تقصد إذ لم تسأل فلربما يكون لها تفسير آخر لم تصب بالتعبير عنه. جملة مسيئة.. ولكن لنكن واقعيين نسمعها يوميا بشكل أو بآخر من أشخاص مسلمين ومؤمنين وصائمين (وأكثر المسبات فحشاً -على أنواعها- التي سمعتها في حياتي جاءت من صائمين بحجة أن صاحبها متوتر عصبياً لأنه مدخن وكل من حوله يطلبون له المغفرة من الله ولم أسمع من طالب بهدر دمه).. مطلوب كثير من التعقل والحكمة والتروي والمناقشة بهدوء وبدون الاصطياد في الماء القذر.. أشكرك على كلامك المتزن.
August 31st, 2012 at 6:52 pm
شكرا لك فاطمة..
August 9th, 2012 at 5:35 pm
تدوينة اكثر من رائعة و مميزة
بارك الله فيكم و جزاكم الله كل خيرا
August 31st, 2012 at 6:53 pm
الله يسلمك ويبارك فيك
August 9th, 2012 at 6:33 pm
مساء الخير , اولا هي شابة رائعة وجريئة بان تقف بيافضة مكتوب عليها ما كتبت… وبقلها مثل مابقول لاي صديق او قريب وقت بيعمل شي حلو كثير ” الله حيو ” اما عن كتابتها ياالله بدنا غيرك ياالله , يعني شو المشكل بستغرب من الناس يلي مفكرين حالهن محامين عن الخالق ” بغض النظر عن تسميته الله, الطبيعة وو ” . جدتي كانت من الناس يلي حجت اكثر من عشر حجات وما بتروح فرض صلى, وقت كانو يحكو عن واحد مانو متدين او دينو غير او بلا دين كان عندها جملة رائعة ” انتي ربو شي ” يعني يصطفل منو للخالق بس مع الاسف الناس بدها حمالة لتحمل الكره والبغيضة … ( يلي تهجموا عليها عم يطلبو احترام مقدسهن , طب ماشي وانتي كمان احترم مقدسها والحالة النفسية يلي هي فيها …) ع كل حال مقالة جميلة ومرة ثانية للامورة ريما الله حيو وما يهمك شو عم يقولو ويقولو يلي بدهن يقولو
August 31st, 2012 at 6:54 pm
نعم، هي العادة السيئة بتضخيم الأمور والانشغال بالجزئيات.
August 19th, 2012 at 12:05 am
هل هو رفض هذه المقولة، أم انه رفض للشخص بذاته، أم رفض للفكر الالحادي بشكل عام.
اعتقد انها معذورة، شي بيكفر صدقوني.
تذكروا قصة، “اللهم أنت عبدي وأنا ربك”
August 31st, 2012 at 6:56 pm
المقالة لا تدافع عن المقولة أو تهاجمها، وإنّما تناقش موضوع اختلافنا وتعايشنا وخطورة التقديس والاقصاء.
August 21st, 2012 at 3:27 pm
موضوع ممتع و مدونة ممتازه تسلم
August 31st, 2012 at 6:57 pm
شكرا جزيلا لك.
February 25th, 2015 at 10:43 pm
[…] السوري أحمد أبو الخير نشر ردّاً حمل بين كلماته تخويناً واضحاً للشابة السورية: […]