صدمة عمر سليمان.. إن صح التعبير.. هي ما يبدو على وجوه العديد من السوريين أثناء تداولهم أخبار المهرجانات التي شارك بها المغنّي عمر سليمان في أوربا واستراليا ومشاركته بالغناء في حفل جوائز نوبل.
“سوّد وشنا” يقول أحد أصدقائنا.. ليعلّق آخر عليه “قال فن سوري قال
وفي خضمّ هذا لم أستطع أن أبعد سؤال يدور بالحاح في رأسي؟ ما هي سوريّا؟ وما هو الفن السوري؟ ومن يستطيع أن يحدّد إن كان يليق بهذا الفنّان أو تلك الفنّانة أن يمثّلوا سوريا بفنّهم؟ بعيداً عن عمر سليمان الذي استمعت لأغانيه اليوم لأول مرة (وشعرت برغبة بالدبكة.. فمن الصعب أن أدبك على مقطوعات بيتهوفن)، وبعيداً عن رأيي بالمغني أو أغنياته، فهناك ما هو أولى، وأود أن أذكر عدّة نقط أراها مهمّة:
قبل أن تبدأ الثورة السورية، كنت أظنّ سوريّا أربع أو خمس شوارع في دمشق، لا أعني بالمعنى الحرفي، وإنّما بالمعنى “الوطني” إن صحّ التعبير، ورغم أنّ أكثر من نصف جذوري غير دمشقية، ولكن كانت عدّة شوارع في دمشق تعني لي كل سوريا، هي المكان الذي أحيا فيه وأقابل أصدقائي فيه، بالإضافة لبعض الأماكن التي أحب أن أقضي فيها بعض الاجازات، وكنت أظنّ أن تمثيل “سوريا” يليق فقط بمجموعة من الناس، وبلون معيّن من ألوان الفن، وبحزمة محدودة من الأدباء والكتّاب، أما من سواهم، فسوريا أكبر بكثير من أن يمثّلوها.
واليوم، بعد عامين ونصف من الثورة، بعد أن زرت مدناً ومحافظات لم أزرها في حياتي، علمت أن سوريا أكبر منّا جميعاً، وأنّنا ننكر سوريتنا، نفخر بدمشقيتنا، وبأحياناً أقل بحلبيتنا (بحالة صباح فخري فقط) وحمصيتنا (مالك جندلي فقط أيضاً)، وما عدا ذلك، فغالباً لا نعترف به، وبذلك عندما صرخنا “واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد” ربّما كنّا نحاول أن نصمّ آذاننا عن واقعٍ مرير، أنّ الشعب السوري منقسم، وأنّنا عجزنا طوال العقود الماضية عن انتاج هويّة سوريّة تجمعنا، بقيت سوريا لدى الكثيرين لوناً واحداً، وفنّها هو فن صباح فخري فقط، حتى ابن السويداء فهد بلّان مثلاً، كثيراً ما كان عرضة للسخرية والاستهزاء وبأنّه فن لا يرقى لأن نقدّمه كفن سوري.
ما هو الفن السوري اذاً؟ ما هي سوريّا؟ ما هي الثقافة السورية وما هو الجسد السوري الذي نرفض أن نسلّط الضوء إلّا على عينيه الجميلتن فقط.. خوفاً من أن يتّهمنا العالم بقبح ما تبقّى من ذاك الجسد؟
لنقف بشجاعة مع أنفسنا، زمن الاقصاء ولّى، من نحن؟ ماذا نريد؟ هل حقّاً نرغب بالعيش المشترك؟ اذاً لنوقن أن الفن السوري هو كل فن يقدّمه شخص سوري، لا يملك لأحد أن يصنّف انتاج السوريين فيقبل منه ويرفض منه، سواءً أأعجبه ذاك المنتج أم لا، لا يوجد من يقول عن أي مغني أو مغنية أميركية بأنّها لا تمثّل أميركا، فأوًلاً الانتاج هو من انتاج ذلك الشعب، لا أحد يمثل شعب، لا قصيدة ولا أغنية ولا رواية، وبذات الوقت، كل ذاك الانتاج هو”سوري” ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك.
لن أخجل اذا ما سألني أحد عن عمر سليمان، نعم هو مغنّي شعبي سوري، ويغنّي لوناً من ألوان الغناء في سوريا، وأثارت أغنيته الرغبة بداخلي بالدبكة، لن أخجل بأجزاء الجسد السوري بعد اليوم، لن أحاول أن أدفن بعضي لأثبت للآخرين جمال بعضي الآخر، كل الشعوب تقدّم طيفاً واسعاً من الفن، من فن الشوارع إلى فن الصالونات. لا يحاولون أن يجتمعوا ليمنعوا ظهور مغنّي لأغاني الشارع حرصاً على “بريستيجهم الوطني”. لندرك أن لدينا هموماً أكبر، ونحن أمام وطن يتساقط قطعاً أمام أعيننا، هذا فعلاً ما يحزّ في قلبي..
أمّا من حيث “القيمة الحضارية” لأي أغنية، فهذا ليس مقياس شهرتها، وكان أولى بنا أن ننكر السياق الشعبوي لكثير من جوانب حياتنا اليوم. وفي واقعنا اليوم أمثلة واضحة جداً، عن مشاهير على شبكات التواصل الاجتماعي لاتتعدّى كتابة ما يقدّموه قيمة الكهرباء التي صرفتها أجهزتهم أثناء كتابة ذلك، ولكن لأنّهم يقدّمون ما يلهب عواطفنا نتدافع بالاعجاب والنشر… فلا تستغربوا شهرة اغنية تثير في الكثير من الناس الرغبة بالرقص، لنتوقف عن التفكير بأنّنا مجتمع من النخبة، فلسنا كذلك، كفانا خداعاً لأنفسنا، ولنقف أمام المرآة جميعاً.. كسوريين.. لنتعرّف على أنفسنا.. عراةً… فقد أنهكنا الاقصاء والكذب.. وصورة عنّا ليست موجودة إلّا في رؤوسنا..
December 14th, 2013 at 9:47 pm
يعطيك العافية مقالة تدفع للتفكير … لكني أظن أن حالة عمر سليمان و علي و الديك و أغاني تحت الجسر كما يطلق عليها كثير من الناس هي نتيجة اقصاء فكري اجتماعي منهجي و لعبة تهدف في تسخيف نظرة الشعب لنفسه و مقدرته على الانتاج نتاج فني شعبوي يتمتع بقيم و أفكار و رؤية .. تكاد تكون نسخة من تلك اللعبة التي تريد أن تقنعه أنه شعب جاهل لا يستحق الحرية و الديمقراطية .. لماذا إذن استطاعت الثورة أن تنتج فناً شعبويا ذو قيمة ورسالة و لماذا سمعنا في هذا الفن صوت ضميرنا بأوضح صوره ؟ ليس مشكلتنا في وجود عمر سليمان و غيره في كل بلد و حضارة هناك (عمر سلمان) و انما مشكلتنا في حجب البديل المشرق و تسليط الضوء بقوة على ظاهرة مثل عمر سليمان و دعمها بالموارد و التسويق .. للعلم عمر سليمان يستعمل في التسويق على شركة بريطانية متخصصة في تسويق الصور النمطية .. كثيرا ما أشك أن الصور النمطية الي يقدمها عمر سليمان و مدى انتشارها هي نتيجة مدروسة و ليست شيء عفوي
December 15th, 2013 at 12:39 am
[…] Ibrahim Al-Assil إبـراهـيـم الأصـيـل صدمة عمر سليمان.. إن صح التعبير.. هي ما يبدو على وجوه […]
December 15th, 2013 at 8:49 am
طوال يوم أمس كنت أقرأ التعليقات على الفيس بوك عن الموضوع وأحاول أن أضع اصبعي على الفكرة التي كانت تطوف في رأسي وهي أنني لم أستطع أن أكره أغانيه مطلقا والحقيقة انني استمعت إلى أغنيته ورني ورني عدة مرات على الرغم من أنني في معظم الأحيان لاأسمع هذا النوع (وكلمة النوع هنا لايراد منها التقليل من نوعية الأغنية لكنها تعود على ذائقتي الخاصة). أعتقد أنه من المعيب أن يذم شخص سوري بهذا الشكل من قبل مواطنيه الذين يفترض بهم دعمه. أذكر أنني عندما كنت في دمشق كان كثير من الشباب والصبايا “الأكابر بلا صغرة” استمعوا ورقصوا وصفقوا كثيرا لعلي الديك. السؤال الذي يطرح نفسه: هل مالك جندلي يمثل الفن السوري؟ السوري الذي لم يكن يجد قوت قوت يومه يعزف على البيانو مثلا؟ علينا احترام سوريتنا وشخوصها بكل تفاصيلها والا فثورتنا ستذهب هباء منثورا.
عمر سليمان، ارفع راسنا.
December 15th, 2013 at 1:07 pm
شكراً لآرائكم اصدقائي،
كما ذكرنا الموضوع ليس دفاعاً أو هجوماً على ما يقدّمه عمر سليمان، هو مناقشة نظرتنا للأمور ودفاعنا عن صورة سوريا النمطية غير الموجودة إلا في رؤوسنا. يعني تخيلو أن الكوريين كرسوا كل جهودهم ليرسلوا للناس أن
psy
لا يمثل الفن الكوري وأن هذا ظلم للفن الكوري الأصيل
هناك الكثير من الاغاني المنتشرة بين شرائح واسعة في محافظات مختلفة في شرق وشمال وغرب سوريا ولكن لم تسمع بها شرائح أخرى في حياتها. من الطبيعي مع تطوّر الإعلام وتوزيع وتسويق الاغاني أن نسمع بأغاني سورية لم نسمع بها من قبل، في زمن أصبح فيه أغنية كورية أشهر أغنية في العالم (شرقاً وغرباً).
December 15th, 2013 at 3:37 pm
لا أنفي اختلافي معك بعض الأحيان و لكن أقف بكل احترام أمام الرسالة متسقة السياق التي تحملها كلماتك… سلّم الله قلمك أخي ابراهيم هي المرة متقفين تماااااام
December 16th, 2013 at 10:48 pm
تسلم خالد العزيز، ودائماً تغني النقاش برأيك ووجهة نظرك، في حفظ الله ابو ناصر
December 19th, 2013 at 12:43 pm
موضوع رائع ومميز
March 21st, 2014 at 7:49 pm
[…] المصدر […]