معركة الحاضنة الشعبية في سوريا


نُشرت في جريدة القدس العربي العدد 7506– 06 أغسطس 2013  (المقال – العدد).

منذ عدّة أيّام وفي احدى مدن ريف ادلب، حمل أحد الناشطين الاعلاميين كاميرته وخرج ليصوّر مكان غارة جوية، ورغم أنّه اعتاد فعل ذلك لأكثر من عام إلا أنّها المرّة الأولى التي يخرج بها أحد أبناء المنطقة المتضرّرين ويهاجمه متّهماً إيّاه أن تصويره هو أحد أسباب الغارة. لهذه الحادثة الصغيرة ومثيلاتها دلالة هامّة على المحك الذي تمرّ به الثورة السورية، وجرس انذار أنّ الحاضنة الشعبية تمرّ بتبدلات جديدة لا يمكن التنبؤ بمستقبلها اذا تركت الأمور تمضي بمسارها العفوي.

رغم كلّ حماقاته، بقي النظام يقظاً لأهمية الحاضنة الشعبية، أو على الأقل، اعتمدت استراتيجيته على ضرب الحاضنة الشعبية للثورة بهدف أن تنفضّ هذه الحاضنة عن الثورة وتتخلّى عنها حتى لو لم تعد لمظلّته، فعنفه المفرط قطع أي احتمال للعودة. في الواقع، يسعى النظام باستمرار لاثبات أنّه أفضل الحلول السيئة الموجودة، وأنّه الشيطان الوحيد القادر على ادارة الدولة في المناطق التي لم تخرج عن سيطرته، ومن هذا المنطلق فهو لا يسعى بالضرورة لاقناع السوريين بأنّه مهتم بهم، ولكنّه يبذل جهده لاقناعهم أنّه الوحيد القادر على الحفاظ على الحد الأدنى من الدولة، والمصدر الوحيد للحياة وإن كانت تحت ظروف غير انسانية إطلاقاً، هو لا يحاول اقناعك بأنّه صادق، ولكن يسخّر كلّ قدراته الأمنية والإعلامية لاقناعك بأنّ الجميع كاذبين أيضاً. بمعنى آخر لا يكترث النظام السوري إن كان السوريون يدينون بالولاء له أم لا، ولكنّه يسعى لأن يضمن خوفهم من سواه وأن يحطّم البوصلة ويضرب المكونات الاجتماعية ببعضها ويعمّق الصدوع في البنية الاجتماعية ليصبح هو الطرف الأقوى في السّاحة وبهذا يضمن استمراره فيما تبقّى من المدن السوريّة ويطيل عمر الأزمة ويثبت للمجتمع الدولي أنّه لن تقوم قائمة للدولة السورية إلّا بوجوده.

تمرّ المكوّنات الاجتماعية الحاضنة للثورة بظروف اقتصادية ومعيشية صعبة جداً، بالاضافة لتغوّل بعض الكتائب المتطرّفة في حياة النّاس ومحاولتها فرض نمط من الحياة لم يعتده السوريّون يوماً، كل ما سبق بالاضافة لعوامل داخلية وخارجية أخرى كان سبباً لعجز الثورة عن تقديم مثال ناجح في المناطق المحرّرة، وهذا أدّى بدوره لأن تكون أهليّة أي بديل للنظام محل تساؤل وشك لدى الكثيرين.

يتمحور السؤال الجوهري حول كيفية مواجهة أسباب انحسار الحاضنة الشعبية ولمّ شمل النّاس حول الثورة، ويبرز الحراك المدني كأحد أهم اللاعبين القادرين على توسيع الحاضنة الشعبية وتعزيزها، هو الذي أوجدها وهي بدورها مهّدت لحاضنة شعبية لمقاتلي الثورة المسلّحين، وهذه الحقيقة يجب أن تبقى ماثلة أمام مكوّنات الثورة سواءً المدنية منها أو العسكرية، وأن تذكر التشكيلات السياسية المعارضة بالاضافة للقوى المدنية للثورة أنّ على كاهلها مسؤولية جمّة وتاريخية في المناطق المحرّرة خصوصاً، من الرقة إلى ريف ادلب والقسم المحرّر من مدينة حلب وريفها والمناطق الأخرى، واستمرار الثورة يقتضي حكماً تقديم نموذج ناجح بما فيه الكفاية ليغري المناطق التي ما زالت تحت سيطرة النظام، وعلى المكوّنات العسكرية أيضاً ادراك هذا الأمر وأنّ عليهم مسؤولية حماية الناشطين المدنيين والصحفيين من قبضة المتطرّفين لأنّ الانتهاكات والتضييق الذي يتعرّض له الناشطون من بعض الكتائب المتطرّفة يصيب الثورة في مقتل وستكون نتيجته عجز مدني وتنموي،  أمّا التعرّض للناشطين فهو خط أحمر وجريمة بحق الثّورة لا يمكن أن يبرّرها أي سبب، وإن تهاون الثوّار فيها، مدنيين أو عسكريين، سينعكس ذلك سلباً على الجميع ويضعف الثورة من عمقها.

من القضايا الشائكة والحسّاسة في المناطق المحرّرة تعامل الأجسام الإدارية الثورية مع الشرائح التي لم تنخرط في الثورة سابقاً، فترفض بعض المجالس المحليّة اشراك الشرائح الرمادية التي بقيت صامتة خلال العامين الماضيين في عملها. ادارة البلاد ليس جائزة أو غنيمة بل هو مسؤولية الجميع، واشراك الجميع دليل نضج وطني ويضمن توسيع القاعدة الشعبية للثورة السورية ويعزّز من فرص الاستقرار واعادة بناء السّلم الأهلي في وطنٍ لم يبخل أبناؤه بشيءٍ ليروه حرّاً ويعيشون حياةً كريمة في كنفه.

يدرك الكثير من الناشطين أهمية معادلة الحاضنة والقاعدة الشعبية والمتغيّرات فيها، وطوّر بعضهم استراتيجياته لتتضمن نشاطات وفعاليات لا تهدف إلّا لتمتين العلاقة مع المجتمعات المحليّة، وهذا التوجّه يؤتي أكله اذا تحوّل لتوجه استراتيجي عام للحراك الثوري في المناطق المحرّرة، ويتطلّب هذا دعماً من التشكيلات السياسية المعارضة وتوجيهاً من مثقفي الثورة ومفكّريها، فتوسيع القاعدة والحاضنة الشعبية يعني تضييق الخناق على النظام، وذلك هو أقصر طريق نحو اسقاطه ونحو تحقيق أهداف الثورة بالحرية والعدالة والكرامة.

مصدر الصورة: صفحة الشعب السوري عارف طريقه

مصدر الصورة: صفحة الشعب السوري عارف طريقه

About Ibrahim al-Assil إبـراهـيـم الأصـيـل

Ibrahim al-Assil is a Syrian political analyst and civil society activist who serves as a resident fellow at the Middle East Institute. He is also a director at the Orient Research Center-DC Office. His work focuses on the Syrian conflict with an emphasis on different aspects of security, civil society, political Islam, and political economy. Al-Assil is the president and a co-founder of the Syrian Nonviolence Movement, an NGO formed in 2011 to promote peaceful struggle and civil resistance as a way to achieve social, cultural, and political change in Syrian government and View all posts by Ibrahim al-Assil إبـراهـيـم الأصـيـل

شـاركـنـا رأيـك:

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

%d bloggers like this: