سراقب.. وهتاف الدولة الإسلامية والمدنية


حادثة صغيرة وقعت في سراقب يوم الجمعة 8 شباط (فبراير) 2013 ولكنها تعود وتسلّط الضوء على ما يؤرّق شريحة كبيرة من السوريين. فالمظاهرة في الفيديو المسجّل توضّح انقسام المتظاهرين لمجموعتين، وبعد اشتباك سريع بالأيدي بين اثنين من المتظاهرين يتدخل شخص ليقوم بكسر علم الاستقلال وتتواجه المجموعتين بالهتافات، فتهتف الأولى للدولة مدنية بينما تهتف الأخرى للدولة الإسلامية.

حاولت تتبّع الروايات للوقوف على حقيقة ما جرى، ولكن غموض الخلاف وتعدّد الروايات وتبادل الاتهامات زاد من صعوبة معرفة ما جرى بالضبط، وفضّلت أن نناقش جذور المشكلة بدلاً من الخوض في تفاصيلها.

أود أولاً التأكيد أن الاعتداء على العلم السوري أمر ليس مستهجناً فحسب، ولكنه يثير في النفس الاشمئزاز وفي العقل العديد من الأسئلة حول ما تبقى لنا من أرضية مشتركة نقف عليها جميعاً كسوريين، ولا يمكن تبرير مهاجمة العلم أنّه نتيجة لحظة غضب، فقدسية العلم لا تأتي من قماشه ولا ألوانه، وإنّما من رمزيته كراية للوطن يقف تحتها جميع أبنائه باختلاف توجهاتهم وطوائفهم ومعتقداتهم.

ثانياً، وبعيداً عن الأخذ والرد حول المذنب والبريء من الطرفين، علينا أن نعترف أن الحادثة لم تكن مفاجِئة، وليست الأولى من نوعها، فهناك خلاف يزداد يوماً بعد يوم بين أنصار “الدولة المدنية” وأنصار “الدولة الإسلامية” وتجاهل هذه المشكلة لن يساعد في حلّها أبداً.

الحل يكمن في إيجاد أرضية مشتركة للجميع نقف عليها لنستمع لبعضنا البعض، وأن نتفق أنّنا سنحيا معاً مهما كانت خلافاتنا، وعلينا أن نتقبّل بعضنا، وإلّا سنفنى جميعاً في محاولات الاقصاء والاقصاء المضاد. لا أعرف حقيقة ما جرى بالتفصيل في سراقب لذلك من غير الموضوعي أن نطلق حكماً حول ذلك، والمهم ليس الحادثة بحد ذاتها بقدر الأفكار التي أوصلتنا إلى هنا، وإلى أين يمكن أن توصلنا. وهنا أودّ التنويه أنّ طرح الخلاف على أنّه بين “المسلمين” و “العلمانيين” يصب الوقود على النّار ويحرف الحقيقة في محاولة لصاحب الطرح لأن يحمي نفسه باسم الدين ويحتكره ويجعله مفصّلاً على قياسه. فصاحب الفيديو التالي يشرح ما حصل من وجهة نظره، ويذكر في بداية الفيديو وفي الثانية 01:14 أنّ الفريقين هما “المسلمين” و “العلمانيين”، وكأن “المسلمين” هم فقط من وافقوه في رؤيته لشكل الدولة. ليس لدي أي مشكلة مع أن يطالب من يشاء بما يشاء، ولكن الغريب فعلاً أن يكون هناك من يقسم الناس على أنهم “مسلمين” و “علمانيين” وكأنّه المسؤول عن قبول إسلام الناس أو تكفيرهم، وتجاهل أنّ هناك من يرى أن الدولة المتوافقة مع الدين الإسلامي هي الدولة المدنية القائمة على الـ “لا إكراه” وليست الدولة الدينية التي يفرضها قسم من الناس بحسب فهمهم للدين. وهناك أيضاً من يحاول باستمرار أن يقنعنا أنّ أي ذكر للدّين أو الإسلام هو أمّ البلاءات وسبب كل مصائبنا ومشاكلنا وأمراضنا ولا دواء لنا ولا أمل إلّا بمهاجمة الدين والمتدينيين والسخرية منهم ومن كلّ أفكارهم وقناعاتهم ومعتقداتهم.

 

أي صدام أهلي يبدأ من الأفكار، من شيطنة أحد الأطراف واحتكار الصواب سواءً باسم “الوطن” أو “الدين” وتقديم الآخر على أنّه شرّ محض، هذه الفكرة ستبرّر مع الزمن اقصاء الآخر ثمّ مهاجمته، وشيئاً فشيئاً تبرّر تلك الغاية كل الوسائل لصاحبها. سوريا لجميع السوريين، وما ثار حول الحادثة من نقاشات دليل ايجابي على عزيمة السوريين على التغيير وشعورهم بالمسؤولية تجاه حاضر وطنهم ومستقبله وحرصهم على إعادة ترسيخ السلم الأهلي، ولكنّنا نحتاج للتمسك بأصول طرق حل الخلافات وبالثوابت المشتركة، كعلمنا ذي الألوان الأربعة، ووحدة الشعب السوري، وقناعتنا أن القرار سيكون لصناديق الاقتراع في دولة ديموقراطية تعددية لجميع أبنائها، حيث للسوريين… لكل السوريين.. الحق بالتصويت والاختيار.

 

 

رابط الصورة: https://www.facebook.com/photo.php?fbid=476679465729518&set=pb.144315515632583.-2207520000.1360435822&type=3&src=https%3A%2F%2Ffbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net%2Fhphotos-ak-prn1%2F65228_476679465729518_1906123715_n.jpg&size=960%2C552

مصدر الصورة: صفحة الشعب السوري عارف طريقه

About Ibrahim al-Assil إبـراهـيـم الأصـيـل

Ibrahim al-Assil is a Syrian political analyst and civil society activist who serves as a resident fellow at the Middle East Institute. He is also a director at the Orient Research Center-DC Office. His work focuses on the Syrian conflict with an emphasis on different aspects of security, civil society, political Islam, and political economy. Al-Assil is the president and a co-founder of the Syrian Nonviolence Movement, an NGO formed in 2011 to promote peaceful struggle and civil resistance as a way to achieve social, cultural, and political change in Syrian government and View all posts by Ibrahim al-Assil إبـراهـيـم الأصـيـل

12 responses to “سراقب.. وهتاف الدولة الإسلامية والمدنية

  • Mohamad Al Bardan

    كم نحتاج إلى أمثال الرجل المسنّ الذي أوقف الشجار بين الطرفين ليعودا ويسيروا وكل منهم يهتف برأيه…..لكن في مظاهر واحدة
    فلنهتف كل منّا بقناعاته وتكون مظاهرتنا بناء هذا الوطن….واحدة

  • Metero

    حابب قول كلمتين, هذا الي بجيبو الدين,من ألف سنة ونفس الظواهر منشوفها بكل الديانات,تعصب و إتباع أعمى ومحاربة للعقل,,طبعاً هناك فريق المتدينين الي مستحيل تقدر تناقشهن لأنو انت عم تناقش شي منزل لا يقبل النقاش و استرجي اغلط بشي كلمة يعني (الشبيحة نفسهن) و في فريق الدفاع الي بكون متنور شوي وبيقعد يقلك الدين مو غلط و الإسلام ممتاز بس الخطأ بالتطبيق,,طيب من وين بدنا نجيب شعب يفهم؟ شو توصاية القصة,,اذا كل شعوب هل عالم تقريبا مليار مسلم على سبيل المثال ماعرفو يطبقوه للدين و ينشرو الخير والمحبة بين العالم لشو عم ندافع!! و هذا الصراع رح يضل موجود لحتى تفهم القصة بقى,,ورح نضل هيك لحتى يجي الوقت الي يفهم فيه الشعب انو الدين ما دخلو بالحياة لا من قريب و لا من بعيد و هو بكل بساطة علاقة روحانية بينك و بين الله سبحانه و تعالى,,و مانو متحمل أكتر من هيك..و السلام

    • إبـراهـيـم الأصـيـل

      يحق لكل منّا أن يحمل وجهة نظره الخاصة به تجاه الدين، المشكلة لا تكمن بالقناعات وإنّما بمحاولة فرضها على الأخرين، سواءً أكانت بغلاف ديني أو علماني، وشعوبنا عانت من الاستبداد تارة باسم الدين وتارة باسم العلمانية وتارة باسم القومية. المهم أن يكون لكلّ منّا حق الاختيار وأن يكون دور الدولة هو حماية هذه الحق وضمانه لكافة مواطنيها.

  • Metero

    أخ إبراهيم أنا لا أحاول فرض وجهة النظر و لست بالأصل مع دولة علمانية إذا لم تختر (أي تفهم) الغالبية الشعبية هذا الخيار,فالقوالب الجاهزة لا تنفع!! أنا أحاول فقط تحليل ما يجري

    الغالبية الشعبية شئنا أم أبينا هي متدينة و ستدعم خيارات الإسلام السياسي بمختلفأشكاله و أساليبه,طبعا لنا بمصر مثال حي لطريقة إستخدام الدين للتحكم بالبلاد,أو دول الخليج أو دول أوروبا بالقرون الوسطى أو أوالقائمة تطول والغريب أننا لا نتعلم لا من أخطائنا ولا من أخطاء غيرنا, الأسباب عديدة ولا وقت لشرحها…

    أما المرحلة التي تتحدث عنها “المهم أن يكون لكلّ منّا حق الاختيار وأن يكون دور الدولة هو حماية هذه الحق وضمانه لكافة مواطنيها”
    هنا مسؤولية الدولة مكملة و ليست أساسية فهذه ثقافة مجتمع ولن نستطيع بنائها في ظل وجود ايديولوجيات سياسية و عرقية و طائفية, يعني هي مرحلة متقدمة كتير و بدنا ثورة اجتماعية نقدر نغير فيها الإرث المتخلف الي صرلو عم ينبنى عليه مئات السنين,,و لأنو الأغلبية هني مع تطبيق الشريعة أو انو خطيب جامع يصير رئيس جمهورية (بس لأنو متدين) أو متحدث سياسي أو أو رح نضل دول متخلفة متصارعة عم ندبح بعض و ومنكره بعض,,ووقت بتنقلب الآية و منصير دول مدنية وقتخا منكون حطينا أول اجر بالطريق الصحيح ومنصير أمة ذات شأن..

    بالنهاية …يوم بعد يوم عم صدّق انو نحن ماكنا جاهزين للثورة ,,المشكلة النظام تصرف بهمجية ما بعدها مثي ,وما خلا خيار قدام الشعب,,بس مستحيل إقدر استوعب واحد بدو حرية و ديمقراطية و عم يقلي شيعة و علوي وصفوي و حرب الأمة وخلافة و غيرها,,,الحرية لا تتجزأ ولا تفصّل على المقاس.

    تحياتي

    • إبـراهـيـم الأصـيـل

      كنت أعقّب بشكل عام على كلامك وبالتأكيد لم أقصدك بالكلام أو أقصد اتهامك. أتفق معك بالكثير، وخصوصاً بأن التغيير يبدأ من الثقافة والفكر ويأتي دور الدولة كنتيجة مكمّلة.

      ولكن لا أرى أننا لم نكن جاهزين للثورة، فبرأيي الثورة ليست “شهادة” ننالها عندما ننهي امتحاناتنا، بل هي المدرسة أو الجامعة بحد ذاتها التي نتعلم منها لنيل تلك الشهادة، ونطور أنفسنا ونصوّب أخطائنا خلال تلك الفترة. وبقي أن أضيف أن دخولنا الجامعة أو المدرسة لا يعني تخرّجنا منها بشكل حتمي وإنّما يعتمد ذلك على الجهد الذي نبذله. لك مودتي

  • خالد محمد

    شكل الدولة سيحدد كيف سيأكل الأطفال الجائعون … فالدولة المدنية الديمقراطية لن تطعم الجوعى ولكنها ستزيد غنى الأغنياء وستزيد فقر الفقراء

    لذلك يجب أن ندرك شكل الدولة التي نريد، وهذا أمر مهم جداً … وعلى المدى الطويل هو أهم من إطعام الأطفال الجوعى … لأن بعض الأغنياء قد يتبرعون بالكثير من المال من أجل إطعامهم ولكن يتوقفون بعد إشباعهم اللحظي … ولكن الذي يجب أن نسعى له هو إطعامهم والاستمرار في إطعامهم بحيث لا يجوعون بعدها.

    ثم إن الدعوة إلى أرضية مشتركة لجميع فئات الشعب، تحتاج لتفصيل .. فما هو أساس هذه الأرضية المشتركة؟ هل هي الديمقراطية المدنية (العلمانية) التي تجعل أساس الاشتراك بين الناس أنهم أبناء وطن واحد؟
    أم هي الحضارة الإسلام التي تقوم على أساس التوحيد وأن السيادة للشرع، وينضم لها غير المسلمين بصفتهم أهل ذمة وهم جزء من الحضارة الإسلامية العريقة لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين.

    الدعوة إلى أرضية مشتركة أمر مهم جداً ويجب أن يكون هناك توافق ولكن توافق على ماذا؟ توافق على الديمقراطية المدنية أم الإسلام؟

    أرجو أن تكون الفكرة وصلت، ومستعد للنقاش الشفاف الهادئ.

    • إبـراهـيـم الأصـيـل

      أهلا وسهلا أخي خالد وشكراً للنقاش.

      برأيي التوافق الوطني أمر يمكن تطويره مع الوقت عندما تسعى كافة الأطراف لإيجاد أرضية مشتركة، والأرضية المشتركة هي ما تجمع الجميع، بغض النظر عن قوميتهم أو دينهم أو طائفتهم، لذلك المواطنة وأن يكون الجميع متساوي في الحقوق والواجبات مسألة هامة في التأسيس للتوافق الوطني ولا يمكن جمع كلمة السوريين جميعاً إلا على ذلك.

      لا أرى فصلاً بين ثقافتنا الإسلامية وبين الدولة المدنية، ولا أقتنع بوضعهم في مواجهة بعضهم البعض وكأن الدولة المدنية هي دولة كافرة أو بأحسن الأحوال ليست إسلامية. أؤمن بأنّه حيثما وُحد العدل كان الإسلام، ولكن العقل السياسي في بلادنا توقف عن التعلّم منذ قرون طويلة، ولذلك قد يظن البعض أن الخلاص في العودة لقرن من القرون وتبطيق ما كان فيه بشكل حرفي.

      • خالد محمد

        حياك الله أخي إبراهيم …

        اسمح لي أن أخالفك في فهمك للدولة المدنية … فبالرجوع إلى التاريخ تجد أن الدولة المدنية ظهرت في مقابل الدولة الدينية المسيحية في أوروبا بعد الثورة الأوروبية وجاءت للتخلص من تسلط رجال الدين والاقطاعيين والحكام وذلك بالدعوة إلى دولة مدنية أي دولة يكون فيها الدين جانباً ولا يتدخل فيها أي العلمانية … فالمدنية والعلمانية لفظان لمعنى واحد هو إزاحة الدين عن الحياة ومنع الله من التدخل في تنظيم شؤون الناس.

        أما قولك بأنه “حيثما وجد العدل كان الإسلام” فهو قول مجانب للصواب، والصواب أن تقول حيثما وجد الإسلام كان العدل. فالإسلام مبدأ حياة كامل يعالج كافة شؤون البشر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والروحية وذلك من خلال شكل مميز لنظام الحكم يخالف أنظمة الحكم الأخرى، فالدولة الإسلامية ليست دولة دينية ولا دولة مدنية بل لها شكل مميز يقوم على أساس الإسلام في كل زاوية من زواياها والشكل التاريخي للدولة الإسلامية كان متمثلاً بالخلافة منذ عهد الرسول وحتى سقوطها في اسطنبول عام 1924.

        وأود أن أنوه هنا أن الذي نسعى إليه يجب أن يستفيد من تجارب الآخرين، سواء في تاريخنا الإسلامي من الأخطاء التي حدثت في التطبيق ابتداءً من اغتصاب الحكم على يد يزيد بن معاوية مروراً بالأخطاء الأخرى .. وعلينا أن نتجنب الأخطاء التي وقعت فيها حركات التغيير في مصر وليبيا وتونس واليمن وغيرها.

        أما اعتبارك التوافق الوطني أساس الأرضية المشتركة للتوافق ففيه خطأ وعدم وضوح، فالرابطة الوطنية رابطة فاسدة لا تلبث أن تتحلل، وهي رابطة غريزية حيوانية ونحن كبشر علينا أن نرتقي وأن يكون أساس التوافق (الرابطة بيننا) فكرية تقوم على قناعات لا مشاعر وأفكار لا مكان سكن.
        والرابطة الفكرية التي أدعوك للتفكير بها هي رابطة العقيدة الإسلامية، بحيث تكون الحقوق التي تُعطى للناس هي ما يأمرنا بها ربنا، وكذلك الواجبات التي يجب على الجميع أن يقوم بها هي ما يأمرنا بها ربنا.
        والمعروف أن أحكام الإسلام العظيم جاءت لجميع البشر “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” لذلك لا يمكن القول أن الرابطة الإسلامية لا تصلح بين المسلمين والنصارى مثلاً. بل تصلح والتاريخ شاهد على ذلك وأحكام الإسلام كما قلت جاءت لتنظم حياة البشر كلهم بغض النظر عن عقيدتهم … والمعروف أن الانضباط بالحقوق والواجبات الإسلامية لا يُشترط فيها اعتناق الإسلام، بل تكون حقوق غير المسلم أن يتعبد بدينه بدون مضايقات كما هي حقوق المسلم، ويلتزم الإثنان (المسلم وغير المسلم) بالقوانين العامة التي تنظم العلاقات بين الناس.
        هذه هي الأرضية المشتركة التي أدعو لها وأدعوك للتفكير بها وأعتذر عن الاطالة

      • إبـراهـيـم الأصـيـل

        شكراً لك أخي خالد واختلافنا هو ما يثري فكرنا. نعم الدولة المدنية مضادة للدولة الدينية، ولكني أرى الإسلام كذلك يرفض الدولة الدينية، وأنه حقاً يوجد حيث يوجد العدل ومرتبط به وليس بالطقوس والشعائر.

        الخلافة لم تكن منذ وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام وحتى سقوط السلطان العثماني، وإنّما مرّ أنظمة حكم مختلفة ومتنوعة ومتعددة، منها العادل ومنها الظالم، منها الصالح ومنها الطالح، ومنها ما يبن هذا وذاك. فهناك خلفاء تم انتخابهم، وهناك خلفاء جاؤوا بحد السيف، وهناك خلفاء منعوا الناس أن يأكلوا “الملوخية”، وهناك خلفاء استعانوا بأعدائهم على أقربائهم، وهناك خلفاء أشاعوا العدل والأمان، هناك من ورثوا الحكم، وهناك من جاؤوا بانقلاب، وهناك من كان يدعى أمير المؤمنين وليس الخليفة.

        الرسول عليه الصلاة والسلام لم يحدد لنا شكل الدولة، والقرآن ترك لنا باب الاجتهاد مفتوحاً لنكون مسؤولين عن توسعة آفاقنا وتعميق أفكارنا ومعرفتنا، على أن تكون الدولة مبنية على العدل والحرية والـ “لا إكراه”.

        يكون العدل أساس الحكم ومنطلق العلاقات، ويتساوى الناس في الحقوق والواجبات، وبعدها لنطلق ما شئنا على اسم الدولة، ليعدّها من شاء إسلامية وليعدّها من شاء علمانية، المهم أن تكون مبنية على العدل والمساواة بين جميع مواطنيها.

      • خالد محمد

        أعتذر عن التأخر في الرد … فأشغال الدنيا كثيرة

        أخي إبراهيم … أنا لا أتحدث عن حقبة تاريخية، ولا أريد أن أعيد حقبة تاريخية معينة. ولكن ما أدعو له هو التفكير على أساس الإسلام وبالإسلام من أجل الوصول إلى حل يرضي الله عنا أولاً ثم يحقق العدل والخير والتقدم.

        والمعروف أن أحكام الإسلام وأوامره تقوم بتحقيق العدل وتنصف المظلوم، وتعاقب الظالم بحيث تمنعه من العودة إلى ظلمه وتمنع الآخرين من الاعتداء.
        وأحكام الإسلام شاملة كاملة … فلا يوجد شيء إلا وفصّله لنا الإسلام “ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين” فالقول بأن الإسلام لم يحدد لنا شكل الدولة هو قول خاطئ
        فبالرجوع إلى القرآن الكريم نرى أن الله عز وجل أمرنا أن نحكم بما أنزل ولا نتبع أهوائنا أو ما سميته “توسعة آفاقنا وتعميق أفكارنا ومعرفتنا” فقال: “وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك”. والمعروف أن موضوع الحكم هو الدولة فلا مجال للحكم إلا بدولة. فهذا أول أساس وضعه لنا الله كي نتخذه في الدول التي ننشئها ونحتكم إليها وهي الحكم بالإسلام أي نظام الحكم في الدولة يجب أن يكون الأحكام الشرعية.

        وكما قلت، فإن الإسلام فيه تبيان لكل شيء. ففيه أحكام للقضاء والفصل بين الناس في الخصومات، وبالتالي عقوبات زاجرة، وفيه أحكام تتعلق بالاقتصاد، كموضوع الأجير والنقد والصرف وتأسيس الشركات … وفيه أحكام تتعلق بالعمل السياسي والحزبي كالشورى وانتخاب مجلس للأمة وإنشاء أحزاب تدعو إلى الخير ومحاسبة الحكام … وفيه أحكام تتعلق بالسياسة الخارجية وتقوم على الدعوة والجهاد … وفيه أحكام تتعلق بالرجل والمرأة من ناحية اجتماعهما وتنظيم علاقتهما في الحياة الخاصة والعامة … وفيه أحكام تتعلق برعاية الناس في الدولة مسلمين كانوا أو غير مسلمين.

        كل هذه الأحكام يمكن الاستنباط منها شكلاً واضحاً مميزاً لشكل الدولة في الإسلام فلا هي دولة مدنية ولا هي دولة دينية بل دولة إسلامية ربانية أساسها العقيدة الإسلامية تأمر المسلمين بالصلاة كما تترك أهل الذمة وما يعبدون، وتدعو إلى طاعة الحاكم كما تدعو الناس إلى محاسبته وتأسيس أحزاب لهذه الغاية، وتقضي بين الناس بالحق لتعيد لكل ذي حق حقه كما تحمل الإسلام رسالة خير وعدل إلى البشرية جمعاء من خلال الدعوة والجهاد.
        وما حصل على مر التاريخ هو أن المسلمين كانوا يحكمون بالإسلام إلا في بعض الأحيان نتيجة لإساءة تطبيق الإسلام وسكوت الناس للأسف، لذلك نحن نتعلم من هذه الأخطاء وندعو إلى أن تكون دولتنا (وإن كانت بشرية) منارة للعدل والعزة والخير بتطبيق الإسلام.

        هذا هو رأيي بالنسبة للحل الذي يخرج جميع فئات الشعب السوري (وفي الحقيقة كل الناس في العالم) من الضنك والذل الذي يعيشون، وأدعو الجميع إلى أن نتوافق على إعلاء كلمة الله من أجل إرضاءه جلّ في علاه وبإرضاءه يتحقق لنا العدل والخير والعزة، قال الله تعالى: “ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى”.

        وأعتذر عن الإطالة .. وتقبل تحياتي

Leave a Reply to إبـراهـيـم الأصـيـل Cancel reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

%d bloggers like this: