مبادرات التّوحيد وثقافة التفرّق


(نحن جميعاً مسؤولين عن الفرقة التي نعيشها.. واقع المعارضة أفضل من السّابق والجهود المبذولة جبّارة.. ولكن ما زلنا بحاجة لأن نعمل جميعاً كيد واحدة)

شهدت السّاحة السّوريّة في الأسبوع الماضي إطلاق مبادرتين لتوحيد صفوف المعارضة، الأولى أطلقها المعارض رياض سيف، والثانية أطلقها المجلس الوطني بعد عملية إعادة الهكيلة وضمّ قوى جديدة لصفوفه، ولكن هل تتّجه المعارضة حقّاً نحو التوحّد أم التشرذم؟ 

برصد سريع لآخر التحرّكات على رقعة المعارضة، نجد انسحابات لأعضاء من صفوف المجلس الوطني السوري، حيث أعلن كلٌ من أسعد العشي، أديب الشيشكلي، ناجي طيارة، عبد الرحمن كيلاني، عماد الحصري، يارا نصير، فراس قصاص وخلدون النبواني انسحابهم من المجلس بعد خيبة أملهم فيه لفشل إعادة الهيكلة في تمثيل المعارضة السورية. ولم تكن لجان التنسيق المحلية بعيدة عن هذه التقلّبات، فأعلنت انسحابها من المجلس الوطني وعللت ذلك بعد أن تأكّدت من عدم قدرته على تبنّي خطّة إصلاح شاملة. وخلال ساعات من هذا الانسحاب أصدر اثنين من الأعضاء الثلاثة عشر الممثّلين للجان التنسيق في المجلس بياناً معاكساً واصفين فيه هذه القرار بأنّه “أرعن” ومؤكّدين تمسّكهم بعضويتهم في المجلس.

وعلى صعيد الانقسامات الداخلية التي طالت التشكيلات والهيئات الثورية، أعلنت المعارضة والناشطة سهير الأتاسي انسحابها من الهيئة العامّة للثورة السورية، وهي من مؤسسي الهيئة وممثلّتها في الشؤون السياسية والإغاثية في الخارج. كما حصل انقسام في اتحاد تنسيقيات الثورة السورية، حيث انفصلت بعض التنسيقيات عن الكيان الأم معلنةَ هيئة تحمل نفس الاسم وتصرّح بأنّها الممثّل الإعلامي الوحيد لاتحاد تنسيقيات الثورة السورية ومتبرّأة من الكثير من الأعضاء المؤسسين للاتحاد.

تشكيلة المجلس الوطني الجديدة المفتقرة لتمثيل حقيقي للنساء ولقوى علمانية وليبرالية قد تدفع لفرز أوضح بين هذه القوى، فتتكتّل في جبهتين (المجلس في جهة وبقية القوى في جهة)، كما أنّه من المحتمل  أن تؤدّي مبادرة رياض سيف لانشقاق واضح في المجلس الوطني بين مؤيّد ورافض، خصوصاً مع اقتراب المفاوضات من نهايتها ومحاولة رياض سيف تقديم المزيد من الاغراءات للمجلس، بالاضافة لضغوطات اقليمية ودولية.

واقع التفرّق هذا لا يؤدّي لحل حقيقي اذا استمرّ، فتفرّق المعارضة السياسية لا يُخسرها ثقة الخارج بها فيتأخر الدعم لاسقاط النظام فحسب، وإنّما تفقد رابطها مع الداخل أيضا، وهذا ربّما يكون أخطر من الأوّل، فالثوّار في الداخل بدؤوا يرفضوا أي مبادرة بشكل تلقائي بعد أن فقدوا الأمل بأي عمل جدّي. أمّا فيما يتعلّق بالجانب المسلّح، فالواقع لا يختلف من حيث الفرقة والتنازع عن المعارضة السياسية، ونحن أمام المزيد من تشكيلات المجالس العسكرية والقيادات والجبهات المختلفة، حيث يدّعي قسم كبير منها أنّه الممثّل الرئيسي لكتائب منطقة ما، ثمّ لا نلبث أن نقرأ إعلاناً عن تشكيل مجلس آخر أو جبهة أخرى تدّعي الأمر نفسه.

ممّا سبق نستنتج أنّنا جميعاً كسوريّين مشتركين في الانقسام وتشتيت بيتنا الداخلي، سواءً السياسيين في الخارج، الناشطين المدنيين في الداخل، أو كتائب الجيش الحر. هناك فشل كبير بالتنظيم والعمل المؤسساتي، رغم وجود الكثير من الأفراد الوطنيين والمخلصين الذين يقومون بجهد جبّار سواءً كسياسيين أو ناشطين مدنيين أو مسلّحين. التوحّد مسؤوليتنا جميعاً، من فرق العمل الصغيرة والتنسيقيات إلى الهيئات والمجالس مروراً بالكتائب العسكرية. والآن أمام المجلس الوطني وفريق رياض سيف فرصة تكاد تكون الأخيرة لانقاذ الوضع وإعطاء مثال عن امكانية توحيد الجهود، بحيث يبذلوا جهودهم لدمج المبادرتين وتطوير البنود بما يلائم المصلحة الوطنيّة العليا للسوريين، وضمّ كافّة أطياف النسيج السوري ومكوّنات الثورة السورية المدنية والعسكرية، وأن يتخلّى الجميع عن تحزّباتهم ويضعوا الشعب السوري أمام أعينهم، بهذا فقط يستطيع السوريين اثبات قدرتهم على إدارة بلادهم بعد سقوط النظام.. ولنذكر أنّ كل مبادرة تفشل يعني خسارتنا لآلاف الأرواح السّورية في انتظار مبادرة جديدة!

نُشرت المقالة في جريدة سوريتنا العدد 60 (اضغط هنا)

About Ibrahim al-Assil إبـراهـيـم الأصـيـل

Ibrahim al-Assil is a Syrian political analyst and civil society activist who serves as a resident fellow at the Middle East Institute. He is also a director at the Orient Research Center-DC Office. His work focuses on the Syrian conflict with an emphasis on different aspects of security, civil society, political Islam, and political economy. Al-Assil is the president and a co-founder of the Syrian Nonviolence Movement, an NGO formed in 2011 to promote peaceful struggle and civil resistance as a way to achieve social, cultural, and political change in Syrian government and View all posts by Ibrahim al-Assil إبـراهـيـم الأصـيـل

2 responses to “مبادرات التّوحيد وثقافة التفرّق

  • Laith

    شكراً ابراهيم على تحليل الوضع.. يلي بلاخر هو غير مطمئن .
    من دواعي الفضول، وين تنسيقية داريا من الموضوع كلو ؟ موقعها عادةً عقلاني ..

    • إبـراهـيـم الأصـيـل

      أهلا ليث، ائتلاف البارحة يبعث الأمل من جديد، وان شا الله يستطيع تحقيق مهمته الصعبة. تنسيقية داريا ضمن لجان التنسيق المحلية والتي يمثّلها “عمر ادلبي” في الائتلاف..

شـاركـنـا رأيـك:

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

%d bloggers like this: