يُروى أنّ خلافاً جرى بين صحابيين كريمين هما أبو ذرّ الغفاري وبلال بن رباح، ووقعت مشادّة كلامية وعيّر أبو ذرّ بلالا بأمّه أو قال له “يا ابن السّوداء” فاشتكى بلال للرّسول عليه الصّلاة والسّلام. ومع اختلاف الرّوايات في تفاصيل القصّة فقد أجمعت أنّ الرّسول الكريم قال لأبي ذر موصّفا المشكلة وواضعا يده على مكان الخلل “إنّك امرؤٌ فيك جاهليّة” [البخاري]. في هذه العبارة دلالة عظيمة توضّح البعد الحضاري الذي عمل عليه الصّلاة والسّلام لبنائه في اصحابة ومجتمعه، وتُبيّن أنّ الجاهليّة التي حاربها الاسلام ليست مرحلة زمنية تنتهي بتاريخ معيّن، وليست لباسا يخلعه المرء بلحظات، وليست انتماءً يتخلّى عنه المرء بكلماتٍ يلفظها أو ببضع مواقف يتبنّاها. الثّورة على الجاهليّة كانت ثورة أفكار وأخلاق يحملها المرء داخله فتصبغ حياته بلونها جملةً وتفصيلا، وما أشبه ثورتنا اليوم بها.
قامت ثورتنا داعية لتغيير ايجابي لم ينحصر بكونه سياسيّا، فكثير من الدّعوات والجهود ركّزت على معانٍ حضاريّة كدور المرأة والمواطنة والمسؤولية الفرديّة، حتّى أنّ جلّ انتقاد الثوّار لكثير من المؤيّدين انصبّ على طبيعة علاقتهم بشخص رئيس الجمهوريّة كعلاقة مبنيّة على الولاء المطلق والذي أشبه ما يكون بالعبوديّة، وأُطلق عليهم لقب “المنحبكجيّة” لأنّهم أُغرموا بمن يُفترض به أن يكون موظّفا لديهم، فاذا تكلّم فهو من أوتي مجامع الكَلِم، واذا تبسّم فهو جابر عثرات الكرام، وحتّى ان اخطأ فذلك لحكمة لا يعلمها إلا هو ولا تحيط بها مداركنا، لا يُطالب بانجاز ولا يُحاسب على تقصير، كيف وهو سيّد الوطن!!. ولكن وكما تسرّب شيءٌ من الجاهليّة لنفس أبي ذرّ رضي الله عنه أعادته إليها عند ذلك المحكّ، فمن المتوقّع والطّبيعي أن يتسرّب شيءٌ من عقليّة المنحبكجيّة للثوّار فيخلقوا رموزا جديدة تُعطى من القدسيّة ما أعطاه المنحبكجيّة لسيّدهم، وتتعدّى طلباتهم لنا باحترامها لتصل لحدّ تقديسها أو عبادتها، فكلّ من انتقدها وان كان نقده بنّاءً فهو أحمق أو مستهتر بدماء الشّهداء أو جبانٌ متردّد أو حتّى خائنٌ عميل.
الثّورة ليست ألقابا تُمنح ولا شهاداتٍ تُعطى، الثّورة مجموعة قيم أخلاقيّة ومبادئ وطنيّة، من حاد عنها حاد عن الثّورة كائنا من كان، اذا كنّا قد ثُرنا على تقديس الفرد وعبادة الرّمز والتّعصب لمن حولنا والقبليّة بالحميّة لمن شابهنا وان أخطأ فلن نرضى أن نبدل رمزا برمز، ولا مستبدّا بمستبد، سواء أكان هذا المستبد متمثّلا بشخصٍ أو فكرةٍ أو مجموعةٍ أو رأيٍ أو وجهة نظرٍ أو توجّهٍ يرفض محاورك أن تخالفه أو أن تنتقده، وربّما خوّنك وسفّهك بحجّة الدفاع عن دماء الشهداء وكأنّ دماء الشهداء لم تسل إلا لتؤيد فكرته أو أنّ الشهداء يعلنون تضامنهم معه من عليائهم.
هذه ثورة تغيير، ولن نسمح لأحد بأن يعيدنا لعهد الذلّ والعبوديّة والتّعصب لشخص مهما كان مضحيّا أو وطنيّا، بل ان تقديسنا له هو خيانتنا الصّريحة لتضحيّته، فهو لم يضحِّ لنصّفق له ونرتّل بحمده، وإنمّا بذل ما بذل فداءً لمبدأ وهدف، فتقديس المبدأ هو أجدى وأبدى. نقدّس التضحيّة التي قدّمها ولا نقدّسه كشخص فهو بشر يخطئ ويصيب، وتقديسنا له يعني أنّنا ندفعه دفعا في طريق الخطأ وفي التّاريخ ما يثبت ذلك بآلاف الأمثلة.
ثُر وانتقد من شئت ولا تصمت، لا تسمح لأحد بأن يسلبك حريّتك التي اكتسبتها على حساب أمنك وسلامتك أنت وأهلك وأحبابك ودفعت ثمنها غاليا، لا تسمح لأحد بأن يسلبك حريّتك التي أهداها لك آلاف الشهداء بدمائهم وأرواحهم، لا تسمح لأحد بأن يسلبك حريّتك باسم الثّورة اليوم وقد سُلبتها قديما باسم المقاومة والممانعة، لا تسمح لأحد بأن يسلبك حريّتك تحت أي مسمّى كان فكلّ المسمّيات كاذبة وكلّ الحجج واهية ان سعت لتقييدك، رأيك وصوتك هو أغلى ما تملك اليوم، وهو ما تنتظره منك بلدك وثورتك، وأن أخالفك بحريّة وان كنتَ على صواب خيرٌ ألف مرّة من أن أوافقك بنفاق وعن غير اقتناع، ثورتنا ثورة حريّة وممارستك للحريّة في وجه كلّ من يحاول اغتصابها هو أكبر دعم تقدّمه للثّورة، كن أنت الثّورة وقل لكلّ من يحاول اسكاتك… انّك امرؤٌ فيك منحبكجيّة!
هذه ثورة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لا يمكن ان تنتصر ان لم تكن بذاتها وتوجهها وافعالها مثالا لما تدعو إليه ونموذجا حيّا لما تنادي به من الحريّة الحقيقية والكرامة. في هذه الثّورة من يشبه أهل الجاهليّة… كانوا يصنعون لأنفسهم أصناماً من تمر، يقدّسونها ويعبدونها، فاذا جاعوا أكلوها… وصنعوا آلهةً غيرها… ألا ساء ما كانوا يفعلون!
March 4th, 2012 at 2:22 pm
مقال رائع ،،، و رسولنا صلى الله عليه وسلم قد حارب العنصرية منذ ١٤٠٠ سنة
March 5th, 2012 at 9:12 pm
عليه الصلاة والسلام، حتى في الكفر والايمان هناك حرية {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، فالاجبار لا يمكن ان يبني شيء ايجابي
March 4th, 2012 at 6:55 pm
ماذا عساي ان اقول/ رائع ورائع ورائع
سلمت يمناك وبالفعل نحتاج لكهذا مقالات في هذا الوقت من الثورة
الله يحميك يا بطل :)
March 5th, 2012 at 9:21 pm
من زوءك ومسرور انو عجبتك :)
الله يعفو عنا
March 7th, 2012 at 2:30 pm
لو كان في 10 منك بالبلد ماكان صار كل يلي صار…………..
March 12th, 2012 at 12:58 pm
البركة بالثوار يلي عم نتعلم منن… الله يعفو عنا
March 8th, 2012 at 1:16 am
تدوينة رائعة أخي ابراهيم, بمثلك من الشباب ستعمر سورية الجديدة انشاءالله, تعقيب صغير: بهذا الفترة الحرجة والتي تكون العواطف فيها طاغية على العقل, يحبذ النقد البناء, اي ما يساعد بحل المشكلة, فلا استطيع أن أقبل في هذه الأيام نقداَ من شخص لم ينتقد النظام حتى الآن (خوفاَ أو جبناَ أو غباءَ) أن ينتقد أخطاء الثورة, أعلم أنه يجب علينا الاستماع, ولكن الطبيعة البشرية تجعل عليك من الصعب تقبلهم.
كل التقدير لجهودك.
محمد البردان
March 12th, 2012 at 1:04 pm
اهلين ابو حميد، الله يسلمك يارب.
صديقي كلامك صحيح من الصعب تقبل النقد ممّن تعلم انه ينتقد ليفضحك لا لينصحك، ولكن {يا أيها الذين آمنوا لا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدولا، اعدلوا هو أقرب للتقوى}. التجرّد للحق والموضوعيّة أمر صعب وسامي جدا ولا ندري ان كنّا نستطيع عليه عند المحكّات، ولكن على الأقل علينا ان نذكر بعضنا به ما استطعنا ونبذل اقصى جهدنا للالتزام بالمبدأ
March 11th, 2012 at 11:37 am
راااائع جداً
وللعنوان حصة كبيرة من الروعة ;)
بورك فيك إبراهيم
March 12th, 2012 at 1:00 pm
الله يبارك فيك هبة، وشكرا جزيلا
March 31st, 2012 at 6:21 pm
سلمت آناملك على الانتقاء الاكثر من رائع
ولاحرمنا جديدك
ودي لـروحـك ,,~
March 31st, 2012 at 7:08 pm
عوافي ع طرحك
جنائن الورد لروحك الحلوه
كنت هنآآ*_*
March 31st, 2012 at 7:12 pm
سلمت الانامل ياعسل على الطرح الرائع
March 31st, 2012 at 7:17 pm
ررررروعه من روعتكــ
سلمت أناملكــ لا عدمناكــ
لك ودي ووردي
March 31st, 2012 at 7:21 pm
ذوق في انتقاءك
وجميلٌ ماتصفحت هُنآ
فسلمت يدااك
يآسمين منثور بدربك ..~
March 31st, 2012 at 7:25 pm
يعطيك العافيـــــــــه
على هذا الطرح الرائــــــع
في انتظار جديدك بكل شووووق
ع ـــــــوآآآآآآآآآآآآفــــــي
March 31st, 2012 at 8:19 pm
آهنئك ع المتصفح المميز والـإختيآر الذووق
طرح في قمة الروعه
تسلم ديااتك
March 31st, 2012 at 8:27 pm
سلمت يداك يالغلا
كنت هنا
March 31st, 2012 at 8:33 pm
تسلم الايآآآآآدي يآلغلآ
آنتقآء آجمـــل من الرآآآآآئع
لآعدمنآ روعه وجميل عطاااك
لروحك آطيب آلتحآآآآيا..
March 31st, 2012 at 8:37 pm
روووووووووووووووووووعه
يعطيك الف عاافيــــــه
في انتظار جديدك بكل شووووووق
ع ـــــــــوآآآآآآفــــــــي
March 31st, 2012 at 8:43 pm
يعطيك العآفيه على روعة طرحك
بشوق لجديدك المميز
عناقيد الياسمين لروحك العذبه
March 31st, 2012 at 8:51 pm
موآضيعك بقمــة الروعة
…….و روعتهآ ,’, وجمآلهآ
..من جمآل ذآئقتك فى الآختيآر
شكراً جزيلاً لك
وبشوق لكل جديد
ودي وعبق وردي
March 31st, 2012 at 8:58 pm
ذبلت من وهجكِ الأحرف
فما عآدت تصغي سوى لروعة حلولك
شكرا لهذا الحضورالراقي
باقة موده لروحك..
أمتنآني بعطرالزهور,,
ودي وشذى الورد..
March 31st, 2012 at 9:03 pm
تسلم الايآآآآآدي يآلغلآ
آنتقآء آجمـــل من الرآآآآآئع
لآعدمنآ روعه وجميل عطاااك
لروحك آطيب آلتحآآآآيا..
March 31st, 2012 at 9:12 pm
الله يعطيك الف عافيه كالعاده متميز ومبدع
دمت بسعاده ..
March 31st, 2012 at 9:17 pm
روووعه
تسلم ايديك ع الطرح
تقبل طلتتي
April 7th, 2012 at 12:51 am
سلمت يداك
April 19th, 2012 at 3:51 pm
شكرا اخي
تحياتي وتقديري لشخصك الكريم
May 21st, 2012 at 10:53 pm
ما شاء الله! أي امرؤ أحبك
May 22nd, 2012 at 2:04 am
على راسي يا أنوس الغالي
June 11th, 2012 at 9:32 pm
[…] عن مدونة مدينة Share this:TwitterFacebookLike this:LikeBe the first to like this […]