خرجوا، لكنّ ماضيهم وأحلامهم لم تخرج من حمص العديّة. خرجوا ويحملون حلماً بالعودة يفوق أوجاعهم ويتجاوز معاناتهم، ولكنّ عودتهم ليست حتمية. ففي سورياّ ذاتها الكثير من الأمثلة عن أقوام هُجرّت من بيوتها وسكنت مناطق أخرى، وحلم النظام بتغيير ديموغرافية العديد من المناطق قد يغدو واقعاً اذا لم تُحشد الجهود لمواجهته.
لنقلها بوضوح كي نعرف المسؤولية التاريخية والوطنية والثورية الملقاة على كواهلنا.. العودة إلى حمص ليست حتمية أبداً وهي مرتبطة حكماً بالتخطيط والوسائل والخيارات التي نختارها، وبالعمل والتصميم والإصرار. الطريق إلى حمص، يمر من الرقّة، ويمر بلا شك من منبج ومدينة الباب في حلب. لا يمكن العودة إلى حمص اذا لم يتم التخلّص من داعش ومثيلاتها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. المصيبة ليست داعش فقط، فداعش بما تحمله من اقصاء وانغلاق فكري واجتماعي وأفكار تقدّس الموت وتحارب كافة أشكال الحياة المدنية والحضارية هي عنوان للكثير من المجموعات المتواجدة اليوم والمختبئة خلف مسميّات ثوريّة. والسلاح غير قادر وحيداً -وإن انتصر في معارك محدّدة- على التخلص من هذه البذور القاتلة. بل يجب مواجهتها فكرياً بتطوير العمل المدني وببرامج وحملات توعية يقوم بها ناشطون مدنيون يؤمنون أن المعركة مع النظام معركة مبادئ وأخلاق، واذا لم تتمايز الثورة عن النظام بذلك فلن يُكتب لها النصر.
لافتة من حلب اليوم كُتب عليها”بعدك يا حمص خلص الكلام”.. فآن لنا أن ننتقل في عملنا لمرحلة أكثر جديّة وتنظيم ووعي. آن لنا أن نقف مع أنفسنا وثورتنا وقفة حق وشجاعة واخلاص، لننقد أنفسنا على اختلاف مشاربنا وأفكارنا، ونعلم أن الوسائل القديمة كما فشلت في المرّات الماضية، ستفشل في المستقبل وأماكن أخرى اذا لم يحصل فيها تغيير حقيقي وجوهري.
حمص القديمة سقطت قبل البارحة بكثير، سقطت يوم سكتنا على أخطائنا وأخطاء غيرنا في الثورة، وسقطت يوم قبل البعض استباحة دماء الأبرياء، وسقطت يوم قبل من قبل بأن ترتكب جرائم وسرقات باسم الثورة وتستّر عليها، وسقطت يوم اختطفت رزان زيتونة ورفاقها في دوما، وسقطت يوم قُتل الأب فرانس في حمص القديمة ذاتها.
كما قيل سابقاً، الثورة أصبحت بحاجة إلى ثورة، إلى الاعتراف بالأخطاء كما هي دون تجميل أو مواربة، وتركيز جهودنا ما استطعنا على العمل المدني، فهو روح الثورة والوحيد القادر على تقديم نماذج ناجحة في المناطق المحرّرة، تكون رسالة للمناطق الخاضعة للنظام، وتأكيداً على أنّ الثورة بما تحمله من تغيير أجدى بالنصر والبقاء.
أمّا من فرح بدخول قوّات الأسد لحمص القديمة، فذاك سقط ألف مرّة، ولم يعلم أنّ لهذا التهجير ويلات ستصيبنا جميعاً.. جميعاً.. بغض النظر عن مواقفنا وآرائنا طالما أننّا نتشاطر هذه البقعة الجغرافية معاً.. فستبقى ويلات هذه الجريمة تلاحقنا وتلاحق أبناءنا لأجيال.
شـاركـنـا رأيـك: