لتضحيات الثوّار الاحترام والتقديس، والكل يعترف بذلك بصدق أو بمكر، فالشعوب تلعب عواطفها دورا كبيرا في تحرّكاتها وتغذّي النفوس وتشجع على تقديم تضحيات مفتوحة ممّا يرجّح كفة أي صراع لصالحها، غير أنها هي نفسها ما قد يعطي المتربصين بها فرصة لحرفها لتصبّ بمصالحهم. في الواقع، قدسية وروعة التضحيات تحجّم اي كلام نظري حولها، في حين أنها تحتاجه، فربّما ان ناقشناها بتشبيه ما سيساعدنا ذلك على تخفيف الحرج واطلاق مساحات اكبر لطرح الافكار. لنشبّه الثورة بالثروة ورأس المال، الشعب يملك رأس مال كبير جدا، ولكن من يملك رأس مال كبير ليس بالضرورة خبيرا في عالم الأعمال والتجارة، لذا وُجد في السّوق من يُدعون “مدراء أعمال”، في عالم السياسة يُدعون “سياسييّن”. مهمّة مدراء الأعمال او السياسيين التعاقد مع اصحاب رؤوس الاموال ليقوموا باستثمارها بما يعود بالرّبح عليهم مقابل المشاركة في ذاك الرّبح.
اذاً علاقة الثوار بالسياسيين هي كعلاقة صاحب رأس المال بمدراء أعماله، ولهذه العلاقة بعض الخصائص الاساسية:
أولا، مبدأ هذه العلاقة هو الفائدة والمصلحة والرّبح، ولا يجب أن تتحوّل العلاقة لعلاقة عشق وغرام او قدوة واقتداء بحال من الاحوال. مهما كان مدير الأعمال ناجحا في فترة ما وجلب ارباحا لصاحب رأس المال، فهو يبقى موظفا، ما أن يُخطئ حتّى يُحاسب أو يُستبدل. أثبت الثوّار وعيا كبيرا أبهر الجميع، ولكن تحوّل بعضنا “لمنحبكجية” المعارضين يضرّ بثورتنا فلا قدسية لفرد مهما كان تاريخه، ولا نريد أن تتسرّب لنا نفسية ال “أمرك معلّم” التي تجذرت في الطرف الآخر.
ثانيا، صاحب رأس المال الناجح هو من يتابع مدراء أعماله متابعة حثيثة ومستمرّة، ويعلم أنه المسؤول الاول والاخير عن ثروته، يطالبه بتقارير دورية، ماذا فعلت ولمَ فعلت وماذا تنوي ان تفعل، ومن هذا علينا جميعا ان نتابع بشكل يومي نشاطات اي هيئة سياسية تمثّل الثورة، كالمجلس الوطني، ونقرأ التقارير الصادرة عنها ونراسل اعضائها على ‘ايميلاتهم’ ان كان لدينا اي استفسار او اقتراح، لنشعرهم أن هناك من يتابع خطواتهم وسيحاسبهم عليها.
ثالثا، بعض الثقة اساسية جدا للعمل، بعض الايمان بقدرة هذا الموظف واعطائه مساحة للحركة ودعمه. لا يستطيع مدير أعمالك ان يُنجر بشكل فعّال اذا كنت تشتمه ليلا نهارا وتخوّنه وتشوّه صورته في السّوق، فكيف يثق به ويتعامل معه الناس اذا كنت انت أوّل من يشكّك به. انتقده وتابعه ولكن لا تشوّه صورته اذا لم يثبت لديك أنه يحاول سرقتك او خيانتك حقا بالدليل القطعي، كثيرا ما يبدأ البعض نقدهم بالتخوين، بينما يجب أن يكون ذلك آخر الخيارات.
رابعا، علينا ان نذكر ان هذا الموظف هو صاحب الخبرة في السوق اكثر منا، لذا علينا ان نعطيه الفرصة ليثبت لنا خبرته ومهارته قبل ان نحاسبه، فهو ادرى منا بقوانين السوق والتجارة ومفرداتها ومصطلحاتها واعرافها، لا يستطيع ان يتكلّم بعفويّتنا، كلامه محسوب تتابعه وسائل الاعلام والخصوم، وعليه أن يتحلى بالحنكة والذكاء وعلى صاحب رأس المال أن يعذره في ذلك، فيعلم أنه لا يستطيع أن يتكلم كما يتكلم هو ولا أن يستخدم نفس المصطلحات (الهتافات)، فالعمليتان مختلفتان جدا، لا يستطيع من يمثّل هذه الثورة سياسيا ان يكرّر هتافات الثوّار فبعضها قد يؤدي لخسارة سياسية للثورة، عليه ان يناور وأن يقبل أحيانا ببعض المبادرات وان كنّا نعلم أن النظام لن يلتزم بها، ولكن القبول بها ضروري لتأكيد ذلك للمجتمع الدولي واثبات الحجّة على النظام. وكلّ ما عاد بالربح على صاحب رأس المال فعلى المستثمر (السياسيّ) أن يخوضه، وما قد يُرفض عاطفيا للوهلة الأولى قد يكون هو الطريق لمصلحتنا.
خامسا، تنويع خطوط ووسائل الاستثمار قد يكون أجدى للربح، لا يوجد طريق واحد فقط للاستثمار، وليس من الضروري أن ندعم تمثيلا واحدا، ربّما من الجيد أن نترك عدّة خيارات أمامنا، ففي حال خسر أحد مدراء أعمالنا بقيت لنا فرص للربح مع آخر، تأييدنا لسياسيّ معيّن أو لخطّ سياسي معين لا يتطلّب محاربة كافة الاصوات الأخرى، لنتركها فربّما نعود ونحتاجها يوما اذا أُغلقت الطرق بوجهنا أو فشل ما اعتمدنا عليه.
سادسا، الاستعداد والأمل، فالفرصة قادمة، أحيانا تُغلق الابواب ويبدو أن الأمل قد عُدم، لكن في الواقع عالم التجارة والسياسة طبعا دائما في تغيّر وتحوّل وهذه التغيرات والتحولات تحمل الفرص لمن هم مستعدّون لاقتناصها. على سبيل المثال: عمل الثوار في سورية سنوات طويلة حتى طردوا المحتل الفرنسي، وبوضوح، لم يكن الثوار هم العامل الوحيد لطرد الفرنسيين، لكن الظروف الدولية والسياسية حتّمت عليهم مجتمعة الخروج من سوريّة، اذا مهما شعرنا باليأس فالفرصة قادمة، وكلّما كان مستثمريها وطنيون وأذكياء كلّما كانوا قادرين على اقتناص وصناعة الفرص.
سابعا، يحاول مدير الأعمال أو السياسيّ امتلاك المزيد من القوة تجاه صاحب رأس المال وأن يسحب البساط باتجاهه ليستطيع أن يتخلّص من متابعته المستمرّة والتحرّر من القيود التي يفرضها عليه والسعي نحو مصلحته الشخصية أكثر من مصلحة مالك الثروة الحقيقي، وعلى صاحب رأس المال أن يسعى باستمرار كي لا يفقد السيطرة ويصبح تابعا مغيّبا تتخذ القرارات التي تخصه دون الرجوع إليه. كلّما زادت مبادرات الثوار على الارض كلّما صعُب احتواؤها، وكلّما أبدع الثائر أكثر وأتى بوسائل جديدة للثورة كلّما كانت قوته أكبر وقدرته على فرض قراراته وأوامره على السياسييّن أكتر. مثلا اذا خرجت الثورة من أيدي الثائرين لأيدي العسكر فقط خسر الثوّار المدنيين أي فرصة في المستقبل لفرض مطالبهم، وسيكون الرّبح محصورا بأيدي من يملكون السلاح والقوّة، لذلك يسعى الكثير من الاطراف لتحييد دور الثوار المدنيين على الارض ليسهل اتّخاذ القرارات دونهم وبعيدا عنهم في المستقبل.
خلاصة القول أن بين الثوّار والسياسيّن أو بين صاحب رأس المال ومدير أعماله علاقة مصلحة حسّاسة جدا، تحتاج لكثير من التوازن، بين المتابعة الحثيثة واعطاء مساحة حرّة للحركة، بين الثقة والمراقبة، ولا يمكن لأحدهما النجاح دون الآخر، هذا ما لم نتعوّده مسبقا، فقد قضينا عمرنا نتعامل مع من سلبنا حقوقنا واليوم نتعلّم جميعا كيف نتعامل مع من يمثّلونا سياسيا، فإما أن نصل معا أو نغرق معا، وابحار السفينة بدون ربّانها قد يعني هلاك الربّان الجبان والسفينة الشجاعة على حدّ سواء… فقوانين البحر لا ترحمُ أحدا مهما صفت نيّته وسمت غايته وعلت تضحيته…
January 15th, 2012 at 11:52 pm
رائعة ابراهيم يسلم قلمك وفكرك
خورشيد
January 16th, 2012 at 12:09 am
الله يسلمك خورشيد، شكرا لدعمك
January 17th, 2012 at 9:24 am
[…] الأصيل مدونة مدينة GD Star Ratingloading…GD Star Ratingloading…ايميلطباعة Tags: الثورة […]
March 31st, 2012 at 7:03 pm
سلمت آناملك على الانتقاء الاكثر من رائع
ولاحرمنا جديدك
ودي لـروحـك ,,~
March 31st, 2012 at 7:10 pm
عوافي ع طرحك
جنائن الورد لروحك الحلوه
كنت هنآآ*_*
March 31st, 2012 at 7:14 pm
سلمت الانامل ياعسل على الطرح الرائع
March 31st, 2012 at 8:24 pm
آهنئك ع المتصفح المميز والـإختيآر الذووق
طرح في قمة الروعه
تسلم ديااتك
March 31st, 2012 at 8:29 pm
سلمت يداك يالغلا
كنت هنا
March 31st, 2012 at 8:41 pm
روووووووووووووووووووعه
يعطيك الف عاافيــــــه
في انتظار جديدك بكل شووووووق
ع ـــــــــوآآآآآآفــــــــي
March 31st, 2012 at 8:44 pm
يعطيك العآفيه على روعة طرحك
بشوق لجديدك المميز
عناقيد الياسمين لروحك العذبه
March 31st, 2012 at 8:53 pm
موآضيعك بقمــة الروعة
…….و روعتهآ ,’, وجمآلهآ
..من جمآل ذآئقتك فى الآختيآر
شكراً جزيلاً لك
وبشوق لكل جديد
ودي وعبق وردي
March 31st, 2012 at 9:01 pm
ذبلت من وهجكِ الأحرف
فما عآدت تصغي سوى لروعة حلولك
شكرا لهذا الحضورالراقي
باقة موده لروحك..
أمتنآني بعطرالزهور,,
ودي وشذى الورد..
March 31st, 2012 at 9:05 pm
تسلم الايآآآآآدي يآلغلآ
آنتقآء آجمـــل من الرآآآآآئع
لآعدمنآ روعه وجميل عطاااك
لروحك آطيب آلتحآآآآيا..
March 31st, 2012 at 9:13 pm
الله يعطيك الف عافيه كالعاده متميز ومبدع
دمت بسعاده ..
March 31st, 2012 at 9:19 pm
روووعه
تسلم ايديك ع الطرح
تقبل طلتتي