(تعقيبا على التدوينة السابقة ورسالة “اذ تحاورون… يا مثقفينا لا تبتعدوا”، ولتوضيح ما التبس والتأكيد على بعض النقط التي يبدو أنّها لم توصل الفكرة التي كُتبت لأجلها)
لا شك بأن الحراك في الشارع يحتاج لعمل سياسي ليستطيع الانتقال بزخمه من حيّز الزراعة إلى حيّز الحصاد اذا نضجت ثماره، ولأن الحراكات الشعبية تبقى في خطر ما لم تجد مجرى سياسي يصبّ بها في مصلحة الوطن. أؤكد مرّة ثانية على شكرنا الجزيل لكل من ذهب إلى اللقاء التشاوري بقلب صادقٍ وعقل واعٍ وأخصّ بالذكر منهم من تكاتفوا ليقفوا دون اصدار البيان الختامي الأوّل. وكما قلت سابقا “تكلّمتم بصوت عالٍ وأغلى ما يمكن أن يُهدى إلينا الآن هو صوتٌ جهوري يصدح بالحقّ فيزيدُ الحقَّ وضوحا”. وجود أي شخص في الحوار لا يضعه تحت خانة وُصّفت سلفا، وكما يقول الدكتور برهان غليون عن الحوار: “لا يجب أن يكون هناك حساب على النوايا”. فعلى الطاولة هناك من يمثّل معارضة، وهناك من يمثّل نظام، وهناك من يمثّل أطيافا لا حدّ لها ولا حصر في الشارع السّوري. وتعلّمنا ممّا تعلّمنا من ماضينا أنّ علينا كشباب أن لا نسعى فقط للتأكد من أن هناك من يمثّلنا، بل علينا أن نتأكّد أن هناك من يمثّل من نختلف معه في الرّأي كي لا نخرج من استبداد الآخر بنا إلى استبدادنا بالآخر، وأننا بحاجة لمن يقف معنا ولمن يقف في الجهة المقابلة ولمن يقف في المنتصف أيضا، ولكن هذا لا يمنع أن ندعو بكل ما أوتينا من طاقة ووسائل لجذب المزيد من الأصوات إلى جانبنا، فالحرص على وجود الآخر لا يتطلّب اقصاء الذات.
ومن هنا ننتقل لنقطة أخرى هامة وهي لا تُناقش ما مضى بل الجولات القادمة واللقاءات القادمة التي نتوقعها. ما الذي يريده الشباب -ممّن أشاركهم الرأي- حقا ممّن يمثّلوهم كي لا نصل لمرحلة يشعر كل طرف أنه يقف على ضفة مغايرة من النهر، ويفقد الشباب الثقة بمن يجلس على طاولة الحوار. حاولت خلال الايام القليلة الماضية جمع آراء بعض الشباب عن الحوار وتطلّعاتهم له في المستقبل، وهل يؤيدون الاستمرار به وإن لم تكن له نتائج ملموسة على الارض على المدى القريب، أم هم مع وضع خطوط حمراء لا يتُابع المتحاورون اجتماعاتهم قبل أن يُستجاب لها أو على الأقل ابداء حُسن نيّة بالاستجابة لها. معظم الاجابات كانت مع وضع خطوط حمراء في المرحلة المُقبلة قبل المضي في حلقات متتابعة خصوصا بعد اعتقالات مسيرة المثقفين في الميدان الأربعاء الماضي، لأن الغياب حينها قد يكون أعلى صوتا من الحضور وأجدى، ولأننا لا نريد أن يتحوّل الحوار في المستقبل إلى لغة نسمعها ولا نجد لها ترجمة في واقعنا. واسمحوا لي بأن اقتبس من مداخلة السيد عدنان طرابيشي في اللقاء: “نحن الشباب لا نستطيع الانتظار”، فكيف وقد كدنا نفنى من الانتظار.
وهذا لا يعني الدعوة لانقطاع الحوار بين ابناء الشعب مهما كانت الظروف، فالحوار بين المستقلّين ورموز المعارضة والسلطة قضية سياسية قد يؤيّدها أحد أو يرفضها بناءً على تحليله للواقع اذا سدّد وقارب وهذا حقّه، ولكنّ حوارَ أبناء الشعب باختلاف مشاربنا وآرائنا أمر حيوي ونحتاج للمزيد منه يوميّا.
وإلى أصدقائي الشباب أقول، لا تكتفوا بالمشاهدة أو النقاش بعيدا، تعلمون أسماء من ذهب وحاور أو من رفض ولم يذهب، تواصل معهم مباشرة وأخبرهم برأيك مهما كان ولا تكتف بالمشاهدة، أرسل أو اتّصل او اتّخذ الوسيلة التي تراها مناسبة ولكن لا تبقى مكانك، واذا لم تقم بأي حركة لايصال صوتك لهم حينها فقط لا يحقّ لكم الكلام مهما كانت الخطوات القادمة لأنهم تحرّكوا حين جلست فخسرت حقك في المساءلة لأنك لم تكن شريكا في المسؤولية. نحن مسؤولون حتى عن رموزنا التي نحب ومسؤولون عن صناعة مستقبل سنعيشه معا جميعا، والسياسة ليست نافلة فنلقيها على أكتاف أحد، وكما يصفها شارل ديغول: “أهم بكثير من أن تُترك للسياسيّين”.
مع الاحترام لمن شاركني أو خالفني هذا الرأي،
إبراهيم الأصيل
ملاحظة: قمت هذا الصباح بطرح سؤال لمحاولة التعرف أكثر على الآراء الموجودة إلا أن النتائج تحتاج المزيد من الوقت كي لا تكون تٌمثّل طيفا واحدا فقط. يمكن للمهتمين متابعة السؤال على الرابط: اضغط هنا
شـاركـنـا رأيـك: