(هذه الرّسالة ليست للوم المتحاورين ولكن لمناقشة الأولويّات)
أعزّائي من ذهبتم إلى اللقاء التشاوري أو تنوون الذّهاب للقاءات أخرى،
تعلمون كما أعلم أنّكم لستم هنالك جميعا لتمثّلوني، فهنالك اطياف كثيرة وألوان عديدة تحتاج كما أحتاج لمن يمثّلها، ولكن فيكم بلا شك من يمثّلني، أو على الأقل من لي الحقّ بأن يمثّلني، وحضور هذه اللقاءات كأيّ مسؤولية ترافقها مُساءلة.
شكرا لكم على اخلاصكم وجهودكم الطيّبة، فلقد تكلّمتم بصوت عالٍ وأغلى ما يمكن أن يُهدى إلينا الآن هو صوتٌ جهوري يصدح بالحقّ فيزيدُ الحقَّ وضوحا. وأنا هنا اكتب لكم كشاب من ملايين الشباب لأخبركم بمطالبي الأساسية لتنقلوها لمن تحاوروهم اذا جلستم معهم على طاولة واحدة.
أنا متأكد أنّ لديكم الكثير من الأفكار العميقة والهامّة لمستقبل هذا الوطن، وثقافتكم ليس لها حد، ولكن ما أريد أن أركّز عليه أنّ أفق حياتنا بعكس ثقافتكم له حدٌّ يضيق يوما بعد يوم، ولا ندري أسنشهد الصبح معا أم سيشهده أحدنا ويكون الآخر قد تحوّل لدمعة في العين وحسرة في القلب وذكرى رحيلٍ موجعة.
أرجوكم لا تُغفلوا ذِكرَ الشهداء الذين كانت تُراق دماؤهم أثناء لقائكم، وآهات المعتقلين في أقبية فروع الأمن حيث تُهان كرامتهم وكرامة سوريّة والانسانية على مرّ الثواني وبعدد أحرفُ مداخلاتكم. أنتم أطبّاء الأزمة، وعندما يقف الطبيبُ الأريبُ على جسد شخص مريض يتأوّه من شدّة الألم ويعاني نقصا حادّا في الدّم قد يودي بحياته خلال السّاعات القادمة، فربّما لن يعني مريضك إن حدّثته عن أهمية الغذاء المتكامل والمتوازن لأطفاله فهو يعلم أنّه لن يحيا لينجبهم، وكلُّ ما يعنيه الآن هو تقديم الاسعافات “الأوّليّة” له ثمّ نقله لمستشفى ليتلقّى العلاج اللازم ليبقى على قيد الحياة، ومن بعدها سيسرّه أن نطرح عليه رؤيتنا لاقتصادٍ منفتحٍ ونظامٍ تعدّديٍّ لبناء دولة يحيا بها.
ربّما أدهشنا تسارعُ الأحداث الأخيرة وجعلت من تعوّدنا أن نراهم في المقدّمة يعودوا للمقاعد الخلفيّة حتى كدنا ننسى وجوههم، وجعلت شبابا كهادي الجندي وابراهيم قاشوش بل وأطفالا كحمزة الخطيب وهاجر الخطيب يتحوّلون لمرشدين لأبناء هذا الوطن نحو درب سقوه بدمائهم فنالوا شرف أن يختلط اسمه باسمهم. ولكنّ هذا لا يكفي، فنحن بحاجة لكم لتبقوا على اتّصال بنا، تساعدونا وترشدونا وتسندوا ظهورنا، لا نريد أن يتبنّى طيف واسع من مثقفي هذا البلد خطاب “الكرواسان”، وهو أن تقترح حلولا على من جاءك شاكيا لا تمتّ لواقعه الأليم بصلة ولا تزيده إلا ثقة بعمق الفجوة بينك وبينه يوما بعد يوم. لن يُقنع الشباب أن تتكلّموا عن جمهوريّة لن يشهدوها ولن يملكوا فيها إلا قبورا.
الشهداء الذين نقدّسهم جميعا ممّن صدقوا ما عاهدوا الله عليه وقضوا نحبهم لهم مُمثّل واحد وهو “من ينتظر”، وهم أولئك المتظاهرين وإخوتهم المعتقلين، هؤلاء من لهم الحقّ المقدّس أن تُعرض مطالبهم وأن يستجاب لها أوّلا وهم أصحاب الفضل علينا أن أوصلونا إلى مكان نستطيع أن نتكلّم فيه، هم من لهم الحقّ بأن نرفع اصواتنا بمطالبهم بعد أن وفّروا لنا حقّ الكلام، فلنُردّ لهم الجميل ولنقل دائما وفي كلّ مشاركة لنا وبكل وضوح: نريد اطلاق سراح كافة معتقلي الرأي فوريا، وايقاف العمليات العسكرية فوريا، وايقاف الممارسات القمعية ضد المتظاهرين والمعارضين فوريا، وإلّا فستقاطعوا الحوار. أرجوكم أن تصرّوا على هذه المطالب قبل أن تكملوا أيّ حوار كي لا نخسر المزيد والمزيد من خيرة شباب سوريّة ممّن نحتاجهم لبناء مستقبلها، فإن رفضتم فأرجوكم… لا تذهبوا للحوار كي لا تبتعدوا عن الشعب ويبتعد عنكم.
وفي الختام يحضُرني قول لغسّان كنفاني الذي صادفت منذ أيام قليلة ذكرى استشهاده: (قضيّة الموت ليست على الاطلاق قضيّة الميت، إنها قضيّة الباقين)
إنها قضيّتكم وقضيّتنا -الوحيدة -الآن…..
إبراهيم الأصيل
12 تموز 2011
شـاركـنـا رأيـك: