سألتُه مرة عن شعوره يوم سقوط القدس الشرقية عام 1967، كيف تلقّى الخبر، كيف استطاع أن يتنفس في ذلك اليوم، حدّثني أنه خرج يومها يركض في الشوارع تجاه الحدود .. حتى انهار على الارض تعبا وانهاكا وضياعا. حتى جاء يوم سقوط بغداد، حينها علمت أنك بعد بعض الأحزان تتنفس، ولكن لا تتنفس إلا الأسى. وبقيت أتخوف أن يأتي يوم يسألني فيه أبنائي أوأحفادي أسئلة مشابهة، وكثير منّا تبادل الأحاديث مع أصدقائه عن مغزى ظلمنا لأبناءٍ عربٍ نسلّمهم حياة تكاد تكون من ذلها جحيما. ولكنني اليوم أعيش حياة مختلفة، وأتنقس هواءً مختلفا أثر حتى على أحلامي، فأغمضت عينيّ وأبحرتُ معها …
رأيتُ ابنتي الصّغرى في صباح أحد الأيام تأتي إليّ وفي يدها قارئة كتب الكترونية مطبوع عليها اسم شركة عربية، لم أتبيّن اسمها تماما فلم يفاجئني ذلك، وتوقعت أن تكون احدى الشركات الأردنية، ولكن عندما وضعتها على الطاولة وأشارت إلى عنوان الكتاب المدرسي فيها أيقظ ذكريات عميقة لا تعود للسطح دون أن ترسمَ على الوجه بسمة وأن تنثرَ في العينِ دمعة. عنوان الكتاب مكتوب بخط عربي ولكنه ليس كالخطوط التي اعتدنا قراءتها في مدارسنا … تاريخ نهضة العرب … وألمح في عينيها الحبيبتينِ شغفا وتطلعا وتسألني، أبي أتذكرُ ثورة مصر؟ حدثني كيف كنتم تتابعون أخبارها حينها؟ حدثني كيف تلقّيتم أخبار شهداء طرابلس؟ حدثني ماذا فعلت عندما هرب ابن علي؟ هل حقا كان المسيحيون يحمون المسلمين في صلاتهم في ميدان التحرير؟ هل حقا …..
حينها حدّثتها كم دمعت عيوننا وحارت ظنوننا… كيف كنا نتابع الاخبار فتعلوا عليها دقات قلوبنا… كيف كنا ننتقل من محطة إلى أخرى .. ومن موقع إلى آخر .. نستقي الأخبار كالعطشى فلا تروي أملنا وفضولنا … كيف خانت الدنيا وما خنّا، كيف هانت وما هنّا، كيف استيقظنا فقمنا، فهززنا الأرض وأيقنت الأممُ أنّنا عُدنا. كيف هرب الأوّل فرجفت أوصالنا فرحا .. فسجدنا، وانهار الثاني … فتعانقنا وذبنا … كيف حلُمنا … وأملنا … وعملنا … كيف كنّا … وكيف صرنا …
ويطولُ حديثنا، فأقرر أن أوصلها إلى مدرستها لنكمل ما بدأناه … تستأذنني عدة دقائق لتسلّم على صديقتها التي تقوم بالمشاركة في حملة تطوعية لتنظيف الحي وهي ابنة “سوريّة” لأم “سوريّة” وأبٍ أجنبي! وننطلق فنمرُّ في شوارع مدينة يقالُ بأنّ العالم يرقب قراراتها التي تهزه شرقا وغربا، دمشق …. عاصمة الاتحاد العربي لهذا العام ومقر محكمة العدل العربية، ونضطر لدخول بعض الازدحام نتيجة اعمال توسيع مجرى نهر بردى فأفتح زجاج النافذة لأسمع صوته دفاقا … تماما كهممنا وعزائمنا، ونتابع طريقنا لمدرستها مرورا بعقدة جين (وتعني الحياة بالكردية)، فنعبرها بسلاسة لنصل لمدينة الحدائق السكنية، وهو مشروع سكنيّ رائع التنظيم والخدمات، سمّي بذلك لكثرة الحدائق فيه، أذكر بأنه بُني عام 2014 أو 2015 لتعويض سكان المناطق العشوائية في قاسيون. وتحدثني ابنتي عن أحلامها… لا أذكر تماما ماذا أخبرتني، فما أن تذكر كلمة “حلم” حتى أعود بذكرياتي لعام 2011، ربما أخبرتني أنها تتمنى أن تدرس الاقتصاد في بيروت لاهتمامها بانضمام دول جديدة للعملة العربية الموحدة، أو أنها تريد التخصص في التاريخ في جامعة من أعرق وأقدم جامعات العالم في التاريخ والأدب … جامعة القيروان في المغرب، وتستفيد من القسط الموحد للطلاب العرب. أو أنها تتمنى أن تغدو باحثة في مراكز أبحاث الفضاء المموّلة كويتيا في بغداد، أو تدرس الجيولوجيا البحرية في جامعة النيل في البحرين، أو أنها تحلم بأن تصبح فنانة …. ترسم لوحات تًـكحّل العيون بجمالها، وأن تعرضَ لوحاتها في متحف من أرقى متاحف العالم … هناك … حيث تهوى أن تقضي العطلة كل صيف … قرب طاحونة بابِ الخليل … في مدينة تغفو الروح على مشارفها وترتاح ، و يولد الجمال عربيّا خالصا كل صباح… القدس، مقر البرلمان العربي الدائم.. ونصل المدرسة وتتسلل نغمة إلى أذني لا أدري مصدرها، أهي ابنتي من تدندن بها، أم أنها تنساب من داخل المدرسة تنشدها جموع الطلّاب .. أم أنها فقط نغمة ما غادرت رأسي ولا قلبي يوما، فأسترسل معها، مؤمنا بها، موطني …. موطني….
March 25th, 2011 at 11:42 am
>والله دمعت عيني وأنا أقرأ هذه الكلماتيا ترى هل سيأتي اليوم الذي نعيش فيه ما كتبتكلنا أمل .. كلنا يقين …كلنا شغف في انتظار هذا اليوم
April 3rd, 2011 at 12:31 am
>أول مرة أقرأ شيء عن حلمنا العربي و اشعر أنه ليس ضربا من المستحيل ولا شيء من الخيال و للمرة الأولى تدمع عيني وأنا أفكر بالوحدة العربية بدلا من أن أضحك باستهزاء.. ليت هذا الحلم لا يسرق…
April 7th, 2011 at 4:22 pm
>سنعيشه واقعا ان شاء الله
April 8th, 2011 at 12:20 pm
>ليس ونحن كما نحن…
April 8th, 2011 at 8:17 pm
>تفاءلوا بالخير تجدوه، وبدأت مشكلة الأكراد بالانفراج ان شاء الله
April 18th, 2011 at 10:02 pm
>واليوم تمّ اطلاق أول لاب توب عربي من عمّان :) http://bit.ly/hBg2YRعقبال قارئة الكتب وبقيّة الاحلام..
April 19th, 2011 at 8:18 am
>بوجود أمثالك من الواعيين و المثقفين إن شاء الله سيتحقق هذا الحلم .
April 19th, 2011 at 8:26 pm
>الله يسلمك اخي فراس. ما شا الله عليك اليوم أول مرة بشوف مدونتك، ممتعة جدا وخصوصا ما يتعلق بالآي فون، قمت بانشاء ايقونة خاصة على شاشة جهازي ;)
June 22nd, 2011 at 11:09 pm
>الحمدلله إنك استفدت :) أعتذر عن التأخير في التواصل معك .